الاثنين، 11 يناير 2010

قصة مبيريك


"مْبيريك"*

صدى أصواتهم وحده يقرقع في الفضاء صباحا. أجسادهم النحيفة لا تكاد تبين. يمتطون صهوات دراجاتهم ويتوغلون في أعماق الشمس. ترى ظلالهم الباهتة، وخلفهم بيوتاتهم الطينية. تجاوزوا آخر نخلة وانقطعوا إلى الفيافي القاحلة. يحلمون كل يوم أن يتركوا مقاعد الدراسة إلى دكاكين زريعة عباد الشمس في مراكش والبيضاء والرباط وباقي المدن الكبرى في المملكة. منوا أنفسهم كثيرا بقطع الشكلاطة والمثلجات المحلية والجيوب الممتلئة دراهما.

كان يحلم وهو على فراش النوم بجبال من )الزريعة( على شاكلة جبال “باني” التي تحيط مدينته المنسية. يحلم بخط سكة حديدية يربط بين مدينته (طاطا) و (البيضاء) يبعث عن طريقه (الزريعة) إلى والده وأعمامه، هناك حيث يضعونها على صفيح ساخن. يقرملونها ويبيعونها لآلاف الجياع ممن يشهدون ببراعة الكلاي* الطاطاوي.
حلم أن (زريعة العباد) أصبحت الأكلة الأولى لجميع المغاربة بعد الكسكس. حلم أن الطلب ازداد على اليد العاملة الطاطاوية المختصة في طهي (العباد).لم يكمل (مبيريك) حلمه. أدركه الصباح، وأدرك أن أمه تقلب الدنيا صياحا مؤنبة إياه على تماديه في النوم. ناولته محفظته المهترئة وبضع تمرات عجاف مما جادت به نخلة الدار العجوز.
***
وهو يشق طريقه بدراجته بين أزقة (الدوار) لم يبارحه الحلم بزريعة العباد. كان يحلم أنه أضحى أكبر بائع )زريعة( في الدوار*.. تجاوز الجدران الطينية ليطل على أشجار نخل باسقات، وفدادين على جنبات الطريق. حينها امتدت الطريق، فامتد حلمه ليصبح أشهر مروج زريعة في المغرب، ينادونه "الحاج مبيريك". لم تثبط عزيمته حرارة الفرن اللافحة وهو ينتج أطنانا من الزريعة المقلية المقرملة اللذيذة. انتبه إلى أنها أشعة الشمس الملتهبة، وليست حرارة الفرن.
وجد نفسه يقطع الأميال القاحلة المتبقية إلى مدرسته. استعان بعصا الحلم السحرية. أصبح مروجا عالميا. له شركات كبيرة وسيارات آخر موديل، يقودها بسرعة جنونية. استلذ الحلم فضغط دواسة الدراجة الهوائية بأقصى سرعة ليجد نفسه رأسا على عقب أسفل المنحدر. تألم وبكى. قام بصعوبة وسحب وراءه دراجته وخيط دموعه يختلط بوجهه المترب. الصغير لم يكن ينزف دما. منكسرا كان ينزف روحا.

***
- الباب الأول: باب المدرسة
تسارعوا وتدافعوا وهم يتخطون عتبة باب المدرسة. وفي وقت وجيز "وكما الماء ينسحب إلى بالوعة، امتصهم باب المدرسة إلى الداخل" هكذا عبر أستاذ اللغة العربية المهووس بالتشبيهات الغريبة.
(مبيريك) وحده بقي خارجا وهو يلهث منهدا بعد أن وصل متأخرا. طاف بسور المدرسة من كل جانب. تحين الفرصة المناسبة. تسلق السور. وجد نفسه في الداخل.


-الباب الثاني : باب القسم
أطل وجه (مبيريك) الناعس على أستاذ مادة اللغة العربية. توقف هذا الأخير عن إلقاء الدرس وخاطبه من بعيد ساخرا:
- صباح الخير معلمي الصغير!! هل تنتظر مني أن أستقبلك بالورود والزغاريد.. هيا اذهب..
صفع الأستاذ الباب في وجهه، فلم يسمع بقية العبارة، وتناهى إلى مسامعه ضحكات زملائه المكتومة..
(اذهب..) لا شك أن الأستاذ قال له: اذهب حيث تبيع زريعة العباد. هكذا اعتقد "مبيريك" أوهكذا خيل إليه.

***
-الباب الثالث: باب الإدارة.
يدخل "مبيريك" مكتب الحارس العام متشحا بالغبار.
الحارس العام مكوم على كرسيه. يدير بين أصابعه قلما أنيقا.
يبادر "مبيريك" بالتحية.
الحارس العام يسأله دون أن يرفع رأسه:
- ماذا تريد يا بني؟
- ورقة السماح بالدخول إلى الفصل.
- لماذا؟
- تأخرت
- لماذا؟
- سقطت من على دراجتي في الطريق. تألمت كثيرا أستاذ( لم يجرؤ أن يقول أنه تألم أكثر بسبب انكسار حلمه.)
- أي طريق تقصد؟
- طريق "اكرزاكن"
- أين تسكن؟
- دوار "تزولت"
- ماذا تريد الآن؟
- ورقة السماح بالدخول إلى الفصل.
- تأخرت نصف ساعة، هذا كثير لن أعطيك الورقة، فأنا لا أعرف أين قضيت هذا الوقت كله
- أستاذ.. أرجوك..
- يجب أن تحضر ولي أمرك.
- أبي في الدار البيضاء يـ.. يــ.. يـــ..
- ماذا يفعل في البيضاء؟
- يعمل في الزريعة
- ومن يتولى أمرك هنا في الدوار
- عمي.
- اذهب إلى أن تحضر عمك، هذه ليست المرة الأولى ولا الثانية التي تتأخر فيها.. إنها المرة الرابعة أو الخامسة.
أحس "مبيريك" أن الأبواب كلها توصد في وجهه. تثاقل وهو يجر أذيال الخيبة، ومحفظته المهترئة تكشف عن كراريس تكدست بعشوائية. لكم كان يمني النفس بإحدى المحافظ التي شاهدهم في التلفاز يوزعونها. قيل له أن العملية ستشمل توزيع مليون محفظة جديدة في القرية قبل المدينة، وأن "مقدم" القرية سيحضرها بنفسه إلى البيت.أمله الأخير أن ينتظر عودة والده عيد الأضحى المقبل. فالأب إذا وعد وفى.
تذكر أمه فتذكر أنها لن تغفر له تقصيره وتهاونه في الدراسة، لطالما رأى شيئا شبيها بالدمع يتلألأ في عينيها وهي تضرع إلى الله أن تراه متعلما.
ينظر وجه أمه الباكي.. ويهم بالرجوع إليها.
ينظر وجه الأستاذ المتجهم.. فيهم بالهروب
ينظر وجه الحارس العام المظلم..يتردد.

***
من خلف زجاج نافذة الفصل "مبيريك" يمعن النظر في إصرار إلى السبورة، ويسجل على كراسه كل ما يكتب. داهمته غفوة قصيرة، فرأي فيما يرى النائم شابا أسودا، (حلم أنه يشبهه حين كان كبيرا). شعره قصير. نحيل أنيق بربطة عنق ويبيع "الزريعة". المكان سوبر ماركت يزخر بأصناف لا حصر لها من المقرملات والمقرمشات. هذا الوجه أين رآه؟..أين صادفه؟ شخصية من أعيان المدينة؟ أحد كبار تجار الزريعة؟ أحد أبناء الجالية المقيمة خارج المغرب..آه..إنه شبيه بذلك الرجل الأمريكي الذي يراه في نشرة الأخبار يتكلم كثيرا من أمام البيت الأبيض. عمه كان يؤكد ويقسم بالأيمان الغليظة أن الرجل الأمريكي سبق وأن عمل معه في بيع "الزريعة" قبل أن يحرك*
***
استيقظ من غفوته على أصوات التلاميذ، يملأون ساحة المدرسة، أحدهم اقترب منه أكثر وهو يضحك:
- إن تنجح يا "مبيريك" تعال دق مسمارا في جبهتي.
لملم "مبيريك" دفاتره بعناية.. وحدها أوراق الدفاتر ستنفعه في تلفيف "الزريعة" يوما ما. وهو ينصرف لم ينس أن يقول للذي يضحك منه:
- لا تنس الدفاتر التي وعدتني بها آخر السنة، سيحتاجها أبي لتلفيف طلبيات "الزريعة".


• القصة مستوحاة من فيلم "مبيريك" وهو فيلم تربوي قصير.فكرة أحمد هربولي/مونطاج أحمد خشاف/سيناريو عبد الهادي روضي/ بطولة نور الدين أولحسن/ إخراج شكيب أريج.
لمشاهدة الفيلم في نسخته الأولى بالعامية المغربية بطريقة مباشرة من هنا:


• الكلاي: الذي يعمل على قلي الحبوب على صفيح ساخن/ الدوار: القرية/ الحريك مصطلح مغربي يحيل على عملية الهجرة السرية .
شكيب أريج/المغرب
نشر بجريدة البيان الكويتية- دجنبر 2009

الجمعة، 8 يناير 2010

أين يصرف المال العام؟حول ميزانية المجلس البلدي 2010

على هامش ميزانية 2010 لبلدية طاطا


أين يصرف المال العام؟

هذا هو السؤال الحقيقي الذي يطرحه المواطنون قبل وإبان وبعد الحملات الانتخابية، وفي طاطا يتجدد هذا السؤال بعد كل دورة من دورات المجلس بشكل مستفز ولسان الحال يقول: هكذا نأكل أموالكم بـ"العلالي".
قد نعتبر أن لا جديد يذكر في ميزانية 2010 بالنسبة للمجلس البلدي، فالمال العام أصبح مستباحا، وعزاء المواطن أنه أصبح يعرف أكثر من أي وقت مضى كيف تصرف أمواله وأين ومتى ومن ؟ وقد يبدو من خلال رؤية أفقية أن لا جديد باستثناء وجود معارضة ضعيفة عدديا، ويصل مسيرو المجلس إلى بر الأمان وتنتهي الشوشرة بمجرد اللجوء إلى لعبة" التصويت" لتبقى المعارضة في موقف المتفرج.
وقد طلع علينا مستشارا تحالف اليسار الديمقراطي ببلدية طاطا مع مستهل سنة 2010 ببيان تحت عنوان: " لماذا صوتنا ضد ميزانية 2010 لبلدية طاطا ؟" تبرآ فيه من ما أسموه بميزانية التبذير، مشككان في نزاهة ومصداقية الذين يحملون شعارات براقة، وقد ضمنا البيان مجموعة من الاعتبارات التي أملت عليهما التصويت ضد الميزانية:
- لأن سياسة برمجة الميزانية اعتمدت على المزاجية والعشوائية في رصد الاعتمادات المالية الضخمة، المخصص أغلبها للوقود والزيوت وقطاع الغيار والإصلاح وعتاد الصيانة وتسديد الدين العام على حساب كل ما هو اجتماعي، صحي، ثقافي، رياضي، تربوي، بيئي ...
- بسبب النفخ في التعويضات المقترحة للرئيس والمكتب المسير والمقدرة بحوالي 289 800 .00 درهم
- بسبب غياب تصور عقلاني شمولي للاهتمام بالساحات العمومية والمساحات الخضراء وحدائق الترفيه وتشجيع البرامج الصحية والتربوية والثقافية والرياضية والفنية الجادة، مع رصد الفتات من الدراهم للجمعيات المحلية، وغياب المساهمة الفاعلة في دعم العمل الجمعوي الجاد وتقوية دوره في تأطير الأجيال وتحسين أداء المرافق الاجتماعية والتعليمية والصحية خدمة لمصلحة الساكنة.
البيان كان غنيا بلغة الأرقام، لذلك لم يستفض في تبيان الأسباب الموضوعية التي دفعته إلى التصويت ضد ميزانية تفضحها أرقامها، والمكتوب يقرأ من عنوانه، والمواطن الطاطاوي لم يعلق آمالا تذكر على مجلس تركيبته الأساسية لم تتغير منذ عشرات السنين.
غير أننا نسجل انطلاقا من مقارنة بسيطة بين أرقام سنة 2004 وأرقام سنة 2010 نفخا فاحشا في المصاريف، لا يدل إلا على شيء واحد، وهو أنه كلما ازداد صمت المواطن وتجاهله واكتفاؤه بالشجب والتنديد، كلما ازداد التهافت على تبذير المال العام، قد يقول قائل أن سنة 2004 ليست هي سنة 2010، فنؤكد على قوله بدليل أن التعويضات المقترحة للرئيس والمكتب المسير قدرت بحوالي 289 800 .00 درهم ؟؟؟ في حين لم تتجاوز تعويضات الرئيس والأعضاء سنة 2004 ما قيمته: 94226.61 درهم؟؟؟ وإذا كانت رسوم ومستحقات المواصلات اللاسلكية قد بلغت في نفس السنة 20000.00 فإنها بلغت في الميزانية الجديدة 40000.00درهم؟؟ فيما يعرف بمخطط تزويد أعضاء المكتب بالهاتف النقال.
وبشكل يستهجن عقول المواطن ويستصغرها رُصد لشراء لوازم المكتب ومواد الطباعة 100 000.00 درهم رغم أنه يوجد بالمستودع فائض من هذه المواد.
أتكون هذه الميزانية قد أدت ما عليها حين رمت بالفتاة للجمعيات والفرق الرياضية والمعوزين، فذرت الرماد هنا وهنا: حين خصصت: 50 000.00 درهم للجمعيات الثقافية (وينظر الجميع بعين الريبة لمن يستفيد في ظل غياب الشفافية والوضوح في طريقة التوزيع) وكان نصيب الفرق الرياضية: 40 000 .00درهم. أما فئة المعوزين فلها 5000.00 درهم. في حين قدرت مصاريف الختانة بـ 5000.00 درهم.
ليس المهم الأرقام التي رصدت لمصاريف أغلبها تتعلق بالمعدات (250000.00) وإصلاح السيارات والعتاد (100 000.00درهم) وقطع الغيار والإطارات المطاطية (80 000.00 درهم) والصيانة، ولكن الأهم هو أن هذه الأرقام المهولة لا تصرف على العنصر الإنساني في جانبه البيئي والثقافي حيث رصد 0 درهم لكل من الفنون الجميلة- 0 درهم لمصاريف استشفاء المعوزين- 0 درهم لـمصاريف نقل المرضى إلى المراكز الاستشفائية- 0 درهم لـلمحافظة على البيئة- 0 درهم لـشراء الكتب لمنح الجوائز- 0 درهم لـشراء الكتب للمكتبات- 0 درهم لـصيانة المنشات الرياضية- 0 درهم لـلمحافظة على المراكز الاستشفائية- 0 درهم لـلصيانة الاعتيادية للطرقات- 0 درهم لـمنشات الإنارة العمومية..
إن هذه الأرقام الصفرية هي ما يثير القلق الحقيقي ويجعل أموال الشعب ترصد للاتصالات وقطع الغيار والصيانة وإصلاح السيارات والمعدات في غياب تام للاهتمام بالشباب والأطفال والنساء الأرامل والبنيات التحتية والمساحات الخضراء. إنها أرقام صفرية تدعو للقلق وتؤشر على جيل من أطفال الشوارع وجيش من المتسولين ومآسي اجتماعية وثقافية. إن سياسة المجلس البلدي هي سياسة دع ما لقيصر لقيصر، وهي سياسة قضاء الحاجات بتركها، وقد كانت هذه السياسة الأخيرة أنجح وأنجع، فقد تكلفت مصالح العمالة الإقليمية بالكثير من الحاجات المتروكة. الاهتمام بالحدائق في المدينة على سبيل المثال لا الحصر. ثم إن هذا المجلس عودنا على احترام التخصص وتوزيع الأدوار، فشأن الثقافة متروك لمندوبية الثقافة التي لا توجد في طاطا، وشأن التعليم متروك لنيابة التعليم، والشأن البيئي هو من اختصاص مندوبية المياه والغابات وكفى الله شر المومنين القتال، وإذا كان المجلس البلدي قد أغفل تشوير بعض الطرق داخل المدار الحضاري فليتحمل مسؤولية ذلك مع السفارة الألمانية في قادم الأيام، حيث أن طريق باني المعبدة تقود السائق فيها إلى الوادي مباشرة دون أي علامة تنبئ أن الطريق انتهت، وبفعل الانحدار نهاية الطريق وغياب الإنارة وجدت سائحة ألمانية كانت تقود سيارتها في ليلة 25 دجنبر نفسها ترتمي إلى هوة الوادي، بارتفاع حوالي أكثر من عشر أقدام، ولولا تدخل بعض الشباب لانتشالها جريحة لكانت في عداد الأموات.
نتساءل هنا هل الأرقام التي رصدت للسفريات والتنقلات والسيارات والإصلاحات تثقل كاهل المجلس البلدي إلى درجة تغييب كل ما يتعلق بالمواطن وسلامته من تشوير وبنيات تحتية ومشاريع ثقافية وصحية.
سؤال جريء يطرحه بيان المعارضة: ؟ ".. أم أن تحقيق المصالح الشخصية وتقديم الولاء و تنمية الأرصدة البنكية هو المنشود." ونفهم من سياق البيان أن أموالا تهدر في مصاريف غائمة ضبابية لا يمكن إلا أن تكون وقودا للمصالح الشخصية، وهو ما يجعلنا نطرح سؤال الشفافية في إطاره العملي: متى تخضع الحسابات البنكية للرقابة والمراقبة؟
يشار إلى أن هذا البيان لم يكن الأول من نوعه فقد سبقه بيان آخر يمثل الموالاة، بيان غير موقع يتحدث عن أن حزب الاستقلال " خاض الانتخابات الجماعية بجد وتفان وساكنة المدينة صوتت لصالحه بحرية ونزاهة وديمقراطية على من رأت فيهم الأمل في خدمة المصلحة العامة ".
وقد كانت فرصة للبيان الأخير للإشارة إلى أن هذا البيان: "وزعته أياد ملطخة بالفساد باعت واشترت في البشر في الانتخابات السابقة ومدت بالأمس القريب إلى المال الحرام القادم من الخزائن السوداء التي تصب في قنوات فساد الانتخابات وما فضيحة تجديد ثلث مجلس المستشارين الأخيرة إلا نموذجا معبرا لذلك..."
وفي الأخير يشير البيان إلى وقوف بعض أعضاء الأغلبية في المجلس ضد اتفاقية شراكة بين بلدية طاطا ووكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية بشأن تجهيز مكتبة الطفل على اعتبار أن ما هو ثقافي ثانوي؟؟؟
المعطيات التي يقدمها البيان الأخير تكشف الارتجالية وغياب استراتيجية واضحة لتدبير المال العام مما يجعل المواطن يطرح أسئلة تشكك في النزاهة والشفافية، ونود أن نشير إلى أن الأرقام هي الوجه المادي الذي يفضح المنطق الهلامي العبثي للتسيير، فماذا عن استغلال النفوذ والولاءات، الأمر هنا لا توجد فيه أرقام مما يجعل من مسألة العلاقات واستغلال النفوذ أمرا شائعا في غياب أي قوانين ومساطير تكبح من استغلال الصفة الاعتبارية للمنتخَب (بفتح الخاء)، خاصة إذا كان المنتخِب (بكسر الخاء) أميا مسحوقا تحت وطأة الفقر.

شكيب أريج

نشر بجريدة عيون الجنوب- العدد العاشر- يناير 2010

الثلاثاء، 5 يناير 2010

عين على القصة- الحلقة الرابعة- محمد سعيد الريحاني

كل سنة والفوانيس وأصدقاء الفوانيس بألف خير وإبداع

استكمالا لحلقات عين على القصة، أقدم لكم هذه المرة كاتبا موسوعيا، أجده في القصة وفي الترجمة وفي البحث وإعداد الأنطلوجيات القصصية، وأجده دؤوبا ومتميزا على مستوى النشر الإلكتروني خاصة بالمقارنة مع الكتاب من جيله، حتى أني أحيانا أعتقد أنه يشتغل بخلية من الكتاب، ولا شك أنه الآن عاكف في منارته، أمام حاسوبه متحديا رحابة النت وشساعته ومتواجدا في كل صحاريه وفيافيه
لن أطيل عليكم

من خلال القصة التي اخترت لكم ستتعرفون على جزء قليل من ابداعية تجود وتجود ولا تكف عن العطاء
ومن خلال الحوار ستتعرفون على مناحي متعددة من أنشطة هذا الكاتب النشيط.

قصة:
"غَـــــابَـة"

أحاطت به عصابة الفجر من كل جانب وقال له أعضاؤها قول رجل واحد:
- "اخرج ما في جيوبك وإلا فلن تلوم غير نفسك!"...
انتبه للسكاكين حول عنقه وخاصرته وظهره وبطنه وأعطاهم ما في جيبه من أوراق نقدية حتى إدا ما أخلوا سبيله وانصرفوا قصد أقرب مخفر للشرطة ليحتج عن الأمن الغائب في البلد وعن الوطن الذي صار غابة وعن غربة المواطن في غياب أي حماية اللهم الرعاية الإلهية التي أعمت اللصوص عن المال الذي لا زال يحتفظ به في جواربه.
أنهى الضحية احتجاجه على الشرطي داخل المخفر وخرج يرغد ويزبد.
في الباب، طوقته نفس العصابة بنفس الأسلحة البيضاء وقال أعضاؤها قول رجل واحد:
- "هات المال الذي لا زلت تحتفظ به في جواربك!"...




============================
قصة قصيرة جدا بقلم محمد سعيد الريحاني، عن المجموعة القصصية قيد الإعداد للطبع:
"خمسون قصة قصيرة جدا- حاء الحلم"



محمد سعيد الريحاني:"الكاتب بالمجموعة"
الخطر الحقيقي الذي يترصد الأدب يكمن في غياب مناهج للكتابة وللإبداع
أنا أقدم نفسي ككاتب "حائي"

سؤال1: أنت كاتب بـ"المجموعة القصصية" بمعنى أنك تفكر أولا في عنوان للمجموعة القصصية، وهو العنوان الذي يصبح مباشرة تيمة محورية تتناسل عنه النصوص القصصية. ألا يمكن أن تكون هذه الصرامة المنهجية تصنيعا للنص لا إبداعا له ؟

جواب1: الخطر على الأدب لا يكمن في ابتكار مناهج للكتابة الإبداعية بل الخطر الحقيقي الذي يترصد الأدب يكمن في غياب مناهج للكتابة وللإبداع بحيث يتسلل كل من هب ودب ليقدم نفسه أديبا بنص وحيد منشور على صفحات جريدة حزبية ينتزع من خلاله بطاقة العضوية في نقابة الكتاب ليتسلق إلى عضوية المكتب ويساهم في رسم التشكيلات وتأطير التكالب على الكتاب الحقيقيين وتنظيم الحزازات بين الكتاب الحقيقيين وإدكاء على الفتن بين الكتاب الحقيقيين... هده هي "الصناعة" الرائجة في زمن "التسيب الثقافي" والتي لا تجد من يندد بها. أما منهج الكتابة بـ"التيمة القصصية" أو بـ "المجموعة القصصية" فإذا كان يعطي نتائج أكبر من غيره من المناهج، فهذا أوضح دليل على أنه المنهج الأنسب في الكتابة. وقد أنجزت بهده الطريقة تسع مجاميع قصصية وثلاث مجاميع قصصية قصيرة جدا وعمري تسعة وثلاثون عاما.

سؤال2: أتساءل أيضا هل التزمت بنفس المنهج في مجموعة "خمسون قصة قصيرة جدا"؟

جواب2: منهجي في الكتابة الإبداعية هو الكتابة بـ"المجموعة القصصية" أو الكتابة بـ"التيمة القصصية". ولهذا السبب، وقبل البدء في تحرير النصوص وانتظار الأيام والشهور لاكتمالها، أنجز بحثا في "تيمة" أختارها. كانت في المجموعة القصصية الأولى هي "الانتظار"، وفي المجموعة القصصية الثانية هي "الهجرة والتهجير"، وفي في المجموعة القصصية القادمة هي "الاستبداد"...
في المجاميع القصصية الثلاث القادمة الخاصة بالقصة القصيرة جدا، سلكت نفس المنحى وسأبقى وفياً لهدا المنهج في الكتابة حتى اعتزالي حمل القلم وافتراش الورقة. ولا أدل على ذلك من عناوين تلك المجاميع: "خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحرية" و"خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحلم" و"خمسون قصة قصيرة جدا: حاء الحب" ...

سؤال3: هل تتطلع من خلال هذه القصة إلى أكثر من إدانة الموقف؟

جواب3: أقصى ما أتطلع إليه في نص "غابة" هو إحداث الدهشة وتغيير تطلعات القراء وقلب التوقعات وخلخلة ثوابت العادة في التلقي بنوعيه، التلقي الجمالي والتلقي المعرفي.

سؤال4: حدثنا عن مشروع "الحاءات الثلاث" وهل تستوعب تيماته موضوع قصة "غابة"؟

جواب: "الحاءات الثلاث" هي فلسفة في الكتابة الإبداعية الجديدة تتقصد الخوض في "المضامين" الأقل حضورا في السرد العربي: الحرية والحلم والحب. كما تتوخى مقارعة كل أشكال النمطية في الكتابة الإبداعية من خلال "توحيد الشكل والمضمون". وقد اجتمع حول هذه الفلسفة خمسون كاتبة وكاتبا مغربيا في "الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة" الموزعة على ثلاثة أجزاء، "أنطولوجيا الحرية" و"أنطولوجيا الحلم" و"أنطولوجيا الحب" على ثلاث سنوات 2006-2007-2008. وقد تمخض عن هذه التجربة ميلاد "المدرسة الحائية" كأفق ثان لـ"التجريبية" في واجهتها المغربية. ولذلك، فأنا أقدم نفسي ككاتب "حائي" كما أقدم نصوصي وأعمالي جميعها على ذات الخلفية.

سؤال: ماذا تقول في جملة قصيرة جدا عن تجربتك في كتابة القصة القصيرة جدا؟



جواب: الكتابة في القصة القصيرة جدا، بالنسبة لي، ليست بديلا عن الكتابة في القصة القصيرة العادية ولا هي مرحلة جديدة في حياتي الإبداعية ولكنها تجربة لشكل أدبي أَلْيَق بمضامين سردية تعجز الأشكال السردية الأخرى عن التعبير عنها.


محمد سعيد الريحاني: باحث ومترجم وقاص مغربي 23 ديسمبر 1968 بمدينة القصر الكبير/المغرب، حائز على" جائزة ناجي النعمان للإبداع" لسنة 2005 عن مجموعته القصصية "هكذا تكلمت سيدة المقام الأخضر " أشرف على ترجمة خمسين (50) قاصة وقاصا مغربيا إلى اللغة الإنجليزية ضمن أنطولوجيا "الحاءات الثلاث: مختارات من القصة المغربية الجديدة" وهو مشروع ثلاثي الأجزاء صادر في نسخته الورقية العربية على ثلاث سنوات: "أنطولوجيا الحلم المغربي" سنة 2006، "أنطولوجيا الحب" سنة 2007، و"أنطولوجيا الحرية"." سنة 2008 .