الخميس، 23 أكتوبر 2008

عن التدوين في المغرب

بقلم: شكيب أريج


قراءة في كتاب"المغرب كما هو": كتاب إلكتروني يتضمن محتويات مدونة الكترونية¨




"المغرب كما هو" عنوان لكتاب جميل للمدون المغربي الجميل محمد سعيد حجيوج، في الصفحة الثانية من هذا الكتاب الالكتروني نجد العبارة التالية: (جميع محتويات هذا الكتاب الالكتروني نشرت قبلا في مدونتي في الفترة ما بين ماي 2005 وغشت 2006.)
الكتاب مشجع على القراءة لكونه منسق بخط جميل وكبير و قراءته سهلة، ولأن المقالات/التدوينات فيه قصيرة ومفيدة في الآن نفسه.
جعل م.سعيد حجيوج لمدونته طابعا مغربيا لا تخطئه عين المتصفح الآدمي،وعلى قلة المدونات المغربية المكتوبة باللغة العربية، والحاملة للهم المغربي فإن مدونة حجيوج تحفل باللغة العربية الفصحى الى الحد الذي يغيظ الفرونكفونيين، ويثير المتمزغين، ويذهب حجيوج حد وصم المبتعد عن لغته بالخيانة، إذ يقول في تدوينة "العربية أولا العربية آخيرا" "..اما أن تتثقن لغة العم فولتير أو يتبول عليك كل قواد تلون بالخيانة" ويناقش بعمق اشكالية اللغة في تدوينة بعنوان: "داس على صابونة وانزلق"، موضحا بعض الالتباسات: " ..الخطأ ليس في اللغة وإنما في العقول المتحجرة التي تدعي حراسة اللغة" ومن الأفكار التي نالت اهتمامي واعجابي قوله:" .. يتواصلون يوميا بالعامية، وحين يسكنون إلى أوراقهم وكتبهم يستدعون الفصحى من مقابر أدمغتهم.." اهتمام حجيوج باللغة العربية سيقوده الى إلقاء اطلالة على المدونات المغربية ليطالعنا بمقال تقييمي حول الموضوع بعنوان: " العربية.. والمدونون المغاربة" ينعي فيه حظ المغاربة مع التدوين باللغة العربية ليتساءل هل كف المغاربة عن استخدام اللغة العربية؟
عن التدوين المغربي دائما يكتب حجيوج هذه المرة مقالا بعنوان: "طفرة المدونات المغربية، هل ستكون سياسية؟" وهو مقال حاول من خلاله المدون الوقوف على اسباب ركود التدوين المغربي، ولعل من بين أهم الاسباب حسب رأيه:" حركة التدوين لا يمكن أن تنمو إلا في مجتمع حر.." والجيل الحالي هو جيل ولد وفي فمه عبارة:" نعام آآسيدي" .
ما يميز مدونة حجيوج ويجعلها مغربية بكل ما تحمل الكلمة من معاني هو اهتمامها بالمواضيع الوطنية واهتمامها ببلورة مفهوم جديد وحقيقي للوطنية، فمنذ التقديم يفتح حجيوج قلبه ليقول: "لا يمكنني أن أقول أني أحب المغرب، لكن أيضا لن أقول أني أكرهه...يمكنني أن أقول بكل سهولة أن مصلحة المغرب تهمني وسأكون صادقا في ذلك إلى أقصى حد"..سنرى كيف يدق حجيوج في مقالاته بإزميل ومطرقة على الحيطان المهترئة للوطن:
- في مقال بعنوان " الجنسية المغربية.. هل تساوي شيئا؟" يستعرض المدون بحسرة مصير الذين استنجدوا بجنسيات أخرى، ومنها الجنسية الاسرائيلية، وهو إذ لا يلومهم ملقيا العتب على الوطن الذي لم يجدوا فيه كرامتهم، فإنه يتأسف على كرامة المغاربة التي تسيل على أبواب القنصليات الأجنبية. وعموما موقف حجيوج من قضية الوطنية يبدو أوضح في تدوينته:" يحيا العلم الوطني" وفيها يوجه الخطاب لوزير العدل: "المواطن قبل الوطن..بلا مواطن لا وطن."
- من جانب آخر تحفل المدونة بقضايا وطنية مصيرية تشمل ما يتعلق بالوحدة الترابية (يوجه المدون نقدا لاذعا بخصوص هذه النقطة معيدا قراءة قضية الصحراء وسبتة ومليلية، والحكم الذاتي وفق قراءة تحاول كشف الكذب والنفاق الرسمي) وتحفل المدونة بكل ما يتعلق بحريات التعبير وأزمة البطالة، والزيادات الصاروخية في الأسعار، وهموم التعليم،والخصخصة وواقع الثقافة المزري وعدم استقلال القضاء..
- يبدو أن المدونة تتابع الحياة السياسية في المغرب رغم جمود الأحزاب وانقطاع الشباب عنها، فالكاتب يحاول رسم خريطة للمشهد السياسي، فنجده يعنون احدى تدويناته:" المطلوب: حل جميع الأحزاب السياسية" ويتضح أنه يؤمن بالقول المأثور" لا يوجد في القنافذ أملس" إذ هو لا يؤمن بقاعدة الاستثناء فيم يخص الأحزاب المغربية، فقد كتب تحت عنوان: "يقولون حزب وما هو بحزب" يوبخ المتمسكين -بأحلا ما في المر - يقصد حزب "العدالة والتنمية" ليقول لهم: " ما أسوأ أن لا يكون لديك ما هو أسوأ".
بعيدا عن هموم الوطن وقريبا دائما من المغرب اهتمت المدونة بجانب قد يخلو من اللغة السوداوية التشاؤمية أحيانا، فالمدون حجيوج من حين إلى آخر يلقي فنار التدوين على واقع الأدب المغربي وخاصة ما يتعلق بالقصة المغربية .
وليس كل مواضيع ومواقف التدوينات قد تجد صدى طيبا لدى القارئ، فعني شخصيا، أكاد أختلف معه تماما فيم يخص تدوينة :" لا للتمييز ضد الرجل" لأني أقبل انتقاد جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة لكني لا أبيح لنفسي عدم الاعتراف بالقهر الذي تعرضت ولا زالت تتعرض له المرأة في المجتمع. وأختلف أيضا معه بخصوص مقاطعة الانتخابات، فعلى حد تعبير بزيز:" الانتخابات هي التي تقاطعنا"وليست مواقفنا المتعنتة العدمية هي الحل.
وفي الأخير مدونة حجيوج، واحدة من المدونات المغربية القليلة التي أسست لنفسها خطا تحريريا جادا وملتزما حد الالتصاق بهموم المواطن، والمتصفح للكتاب أو المدونة يلامس بجلاء التميز والغيرة الوطنية ويأمل أن لا يبقى المغرب كما هو..ويأمل أن يظل محمد سعيد حجيوج كما هو.
شكيب أريج
¨ المدونة تعريب كلمة blog بالانجليزية التي هي نحت من كلمتي web log بمعنى سجل الشبكة، وهي –المدونة- تتيح لكل شخص أن ينشر كتاباته بسهولة بعيدا عن التعقيدات التقنية المرتبطة عادة بالأنترنيت.

الأحد، 12 أكتوبر 2008

كائن ذهني


كائن ذهـــني

مهداة إلى: Jack Sparrow

الكلام في كل مكان ! فإلى أين يذهب من يريد الهدوء والسكينة؟ أيوجد في هذا العالم طائفة من الخرسان لأنتمي إليها؟ هل يرحمني الله ويمنحني موهبة الطرش، فأحيا سعيدا في جنة السكون الأبدي. جبران

عندما أعود في المساء إلى غرفتي أجد الكلام الذي سمعته سحابة نهاري.. سكاكين تفري مخيلتي المنسربة كخيوط من الدخان.. أتذكر صباح الجرائد، تلك التي مثل طوفان من النمل ينهش كل ذرة من جسدي..كل شيء يرن ..الهاتف، الساعة الحائطية، جرس الباب.. فأحس بأضلعي تصطفق بعنف كباب أسلم قياده لجواد الريح.
أفتح التلفاز..بل أفتح نفسي أمام شاشة التلفاز لأعرضها للموجات المتوغلة في مسامي، لأندلق في فوهة بركان، لتندلع حرائقي..
قناة إخبارية: شجة على ظهر مرآة محدبة، أفكار تتجه بشكل ملولب، تتناثر كحبات زجاج كأس سقط من عل..تورثني القهر شاشة الحرب، تدمي مشاعري فألوذ بصمتي متقنفذا..
قناة غنائية: تذبحني رعشة الكمان، أحس أنامل البيانو أصابع في عيني، وأزيز الناي كرصاصة تتثقب آذاني ، ليت لي جفنا أسدله عليها، وكمن أصيب بالغتيان أعيد صدى تلك الأصوات بعذاب وأنهد واجما.
قناة دينية: " يا أمة الثقلين ! إن إمام الزمان يبارككم ويغفر ما تقدم من ذنبكم وما تأخر.. ويبلغكم أن الشريعة قد بطلت لأن ساعة الحشر قد حانت فلقد فرض الله عليكم الشريعة لكي تستحقوا الجنة وقد استحققتموها وهي من اليوم لكم وعليه فقد تحررتم من نير الشريعة. وكل ما كان محرما أصبح محللا وكل ما كان فرضا أصبح محرما"
أنمحق.. وأصابعي على الروموكونترول أشعر بها تذوب، تشتبك بالأزرار، تسيل وبشكل مخاطي.. يتابع المخلص:
"..حرمت الصلوات الخمس لأننا الآن في الجنة متصلين بالخالق على الدوام ولا حاجة بنا إلى التوجه إليه في ساعات محددة، ومن يعاند في إقامة الأوقات الخمسة يكشف بذلك عن قلة إيمانه بيوم الحساب، فلقد غدت الصلاة عملا من أعمال الكفر والجحود..".
أنسل من بين الحقيقة والخيال..أقف عاريا تبدو عروق أفكاري متشنجة، ترتطم فكرة سارحة على شاطئ حجري، فأشعر بها ساخنة كصفعة حمراء على الخد، وصوت المخلص ما زال يلعلع: ".. وفي مقابل ذلك فقد غدت الخمرة- وهي شراب أهل الجنة- كما جاء في القرآن من المحللات وعدم شربها آية على ضعف الايمان.." أغوص في صمتي أخيرا..
- قناة رسمية : يعيش القائد المفدى، ينام، يجلس، يقرفص..
القائد المفدى يعلن..يقف..يمشي..يأكل.. يتزوج..ينجب..
ابن القائد المفدى يلتقي..عم القائد المفدى يستمع..
هتافات الموالاة: بالروح بالدم نفديك.. بالروح بالدم نفديك
هتافات المعارضة: بالروح بالدم نفديك.. بالروح بالدم نفديك
أخ القائد المفدى يحتفل..
جدة ابنة أخت القائد المفدى في ذمة الله..
أتمغنط..أتطبع..فأجد صور عائلة المفدى في ألبومي الشخصي، في الحمام كما في غرفة نومي، وحتى في هواجس صمتي.
قناة إباحية: حاد كصرير باب عتيق هو صوت أنثى تدلك قضيبا، صاحبه مختلج راعش نائح.. وجلاميد تتدحرج نحو زجاج خجلي، وفكي شهوتي تنطبق من الأعلى ومن الأسفل، ولا أستريح، وأشعر بأصوات روحي تتهدج كأنها آتية من مغارة بحرية عميقة، وأشعر بالبئر تسقط في أعماقي..
***
الطبيب قال لي أنت كائن ذهني. أغمض عينيك وانظر في أعماق أعماقك حيث العدم..أطفئ نور كل فكرة ناتئة متقدمة، عش عدميا ..أوساذجا ولو لحين.
أغمض عيني..أنتقل من أعماقي إلى أعماق أعماقي..إلى الأعمق، أرى ثوارا - يملأون العالم ضجيجا- ممتثلين لمقولة جيفارا- حتى لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء- قال الثائر الأحمر وهو مضرج بدمائه:
- سأموت
من أجل أي شيء تموت؟
من أجل الفكرة.
تبقى الفكرة وتموت أنت !؟
بل تبقى الفكرة، وتبقى أنت..هذه وصيتي الأخيرة وأنت وريثي الوحيد..
الإنسان أم الفكرة..وأشحد سكاكين أفكاري..أحاور نفسي. أفاوضها. أناقشها. أغالطها.أحاربها وأمسك بتلابيب الفكرة قائلا:
هذا خلاف طويل الذيل قليل النيل..إما أن أنهيه أو أنتهي.
أصرخ: - أيها الطبيب المداوي، إن إغماضة عيني تجعلني أكثر عمقا، أريد أن أكون أكثر سطحية..متى لم تشعر مثلي بالقطارات المزعجة وصفيرها يذبحني من الأذن إلى الأذن فلا أنت الطبيب ولا أنت المداوي..
***
ولأول مرة يستريح بين الشراشف البيضاء، لا يرى إلا ما يريده، بياض عيني الطبيب من غير سواد، وبضع شعيرات بيضاء على رأسه، ووزرة أشد بياضا. صوت الطبيب الممعن في الصمت يقر أن تجربة الكتاب الأبيض تجربة ناجحة.. فهذا الكاتب الذي أصبحت قعقعة أفكاره تجتاحه، وغدا كاللذي امتلأ وفاض جملا وأصواتا وصورا، ويكاد يختنق ضجيجا بها. ها هو بعد أن قرأ كتابا أبيضا بالكامل قد استعاد بعض عذرية الصمت..كان وهو يقلب صفحات الكتاب لا يفكر في أي شيء، يركز في البياض الحليبي، ويبحث عن النقطة الصفر. نقطة البداية والنهاية.. ويا للمفارقة الكاتب الذي أبدع وأمتع وأقنع، قائد الجيوش الجرارة من الجمل والأفكار. صاحب المجلدات والكتب والأعمدة في الجرائد اليومية ها هو يستسلم لسلطة كتاب أبيض.


شكيب أريج 01/10/2008
matarmatar@maktoob.