الاثنين، 13 نونبر 2006

خصوصية السرد في روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس لأحلام مستغانمي

مقدمة



إن دراسة تتناول خصوصية السرد عند أحلام مستغانمي لا بد أن تنكب على أهم الخصوصيات التي تميز الكتابة الروائية عند أحلام مستغانمي عن غيرها، وهي دراسة أريد لها أن تقتفي أثر الإبداع والجدة، بعيدا عن الأساليب التقريرية والوصفية التي لا هم لها سوى تشريح النص وتفكيكه.
إن المناهج هي التي يمليها النص، وهي تتـضام وتتقاطع وفق ملاءمة ابستمولوجية وحنكة نقدية نشتم منها لذة النص.
لذلك فالأجدر بنا أن نتـتبع خطى الإبداع المتلاحقة نحو جمالية متطلع إليها ومرغوب فيها بدل أن نلهث وراء هاجس المناهج التي كثيرا ما تعامت عن حقيقة الإبداع الذي هو امتداد بيولوجي للإنسان.
إن بحثاً يستقصي مواطن الجمالية ويتلمس تخوم اللذة في الكتابة الروائية أَفْيدُ من بحث ينحشر بين مناهج وآليات لم يستوعبها، وليس من السهل أن يتقنها ويجيد العمل بها في ظرف وجيز (مدة إعداد البحث).
من هذه القناعة الشخصية ننطلق معولين على زاد يسير من المطالعات المتخصصة في مجال الرواية، وعلى قراءات لا تني عن مواكبة المتن الحكائي العربي قدر المستطاع، وعلى القراءة الجادة والمتأنية لروايتي المؤلفة (ذاكرة الجسد) و (فوضى الحواس)، تحذونا رغبة أكيدة في الإجابة عن جملة من الأسئلة والقضايا التي تقربنا من فرادة الكتابة الروائية لدى أحلام.
فإذا كانت الصحافة قد استغرقت وقتها واستنـزفت حبرها في الإجابة عن أسئلة من قبيل: من كتب رواية (ذاكرة الجسد)؟ وأين ؟ ومتى ؟ فإننا سننحوا بعيدا عن هذه الكتابات التي تجاهلت العمل الأدبي في حد ذاته بوصفه منجزا نصياً، وأولت الاهتمام البالغ للكاتبة وظروف الكتابة والنشر، وسنحاول إعادة الاعتبار للسؤال الأدبي الذي يروم اكتشاف عوالم السرد عند أحلام، إذ ما الذي يميز كتاباتها ويخول لها هذا الصدى الواسع ؟. صحيح أن هناك احتفالية نقدية بروايتي أحلام، ولكن هذا لا ينفي أن ما قدمته أحلام على مستوى الكتابة الروائية فريد من نوعه، ومثيـر للجدل.
فهل هي كتابة حداثية مهووسة بحرق المراحل أكثر من كونها كتابة داعيـة للتأمل في عملية الكتابة نفسها؟ ثم ماذا تضيف روايتان في حجم (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) للمتن الروائي العربي، هل تضيف لمسة خاصة للكتابة الروائية العربية أم أنها لا تخرج عن الأساليب التكرارية لروايات في مهب الحداثة والتجريب ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه انطلاقا من تركيزنا على تقنيتي (تشخيص المكتوب) و(التماهي الحكائي) لكونهما يتموضعان في أفق الخطاب والحكاية بشكل يسمح بسبر أغوار السرد والوقوف على خصوصياته.

في البداية سنستهل بحثنا هذا بمدخل عام نعرف فيه أولا بقضية أحلام مستغانمي باعتبارها قضية شغلت الأوساط الأدبية والثقافية، متوخين أن لا تكون إضافتنا هذه ركاماً ينضاف إلى الأحاديث الصحفية العابرة.
ثم سنطرح في هذا المدخل مجموعة من الاعتبارات التمهيدية والنظرية والمنهجية كتوطئة وكفرش نظري نضعه نصب أعيننا أثناء تحليلنا للخطاب الروائي المستغانمي.
وفي فصل ثان سنتناول تقنية (تشخيص المكتوب) مستندين إلى تصور (سعيد بنكراد) كأساس إجرائي للوقوف في بداية ونهاية كل نص على نوعية الخطاب وخصوصيته. وسنختم الفصل بخلاصة نسجل فيها امتدادات (تشخيص المكتوب) داخل المتن الروائي ومدى قدرة هذا التشخيص على تفعيل الكتابة والقراءة.
أما الفصل الثالث فسنتطرق فيه لخصوصية الحكاية الموسومة بتقنية التماهي الحكائي، وسنرصد تجليات هذا التماهي في الروايتين، محاولين النفاذ إلى عوالم السرد، مقتفين آثار السارد الذي سنقدم له بمدخل نظري نقوم بعده بتحديد العلاقات المتشابكة التي تكتنف شبكة السرد (السارد/المؤلف-السارد/المسرود له...) في الروايتين.
وأخيرا سننهي البحث بخاتمة نضمنها أهم استنتاجاتنا وخلاصاتنا.



1-قضية أحلام مستغانمي بين (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس)

رواية "ذاكرة الجسد" هي أول رواية لأحلام مستغانمي، وقد أثارت ضجة واهتماما لدى صدورها. تواصل نجاحها وانتشارها فكانت من بين أهم الروايات العربية مبيعا، إذ صدر منها حتى الآن ما يزيد عن ثلاث عشرة طبعة عن دار الآداب البيـروتية
[1].
كما فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب العربي التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1989م. وترجمت بناء على ذلك إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والصينية والكردية.
[2]
وما إن حازت الرواية قصب السبق حتى انبرت بعض الأقلام الملفعة بالنظرة الفحولية التي تلغي الإبداع الأنثوي تنفخ في رماد الظن، فما دامت الروائية أنثى فإن ثمة من كتب لها الرواية، وإذ كانت قد جعلتها قصيدة مشفرة تمزج بين الشعري والنثري، ومن خلال وعي رجل (بطل الرواية) فإن أفذاذ عصرها من الشعراء قد زودوها بإكسير الكتابة الروائية.
لقد كان الشاعر نزار قباني المتهم الأول، ثم كان الروائي الجزائري (واسيني الأعرج) أما المتهم الأول والأخير فهو الشاعر العراقي (سعدي يوسف)، وقبلهم جميعا كان -ولا يزال- الروائي الجزائري (مالك حداد)
[3]
وبصدد تنامي هذه الإشاعات تقول أحلام مستغانمي: «إن الذهنية المريضة التي تجعل من شاعرين في مستوى (نزار قباني) و(سعدي يوسف) يتعاركان على رواية تنسبها الصحافة كل مرة لأحد منهما هي ذهنية تحتاج إلى الرثاء والشفقة»
[4]
وهي أقاويل على هشاشتها تشكل ظاهرة مؤسفة في حياتنا الأدبية، إذ ينساق بعض الكتاب والكاتبات مع تيار القدح الذي استنـزف حبرا كثيرا، وهو يصب في مصب المكر والمراوغة حين يجعل من هذه التقولات فضيحة*
ولقد كان المقال المدوي الذي كتبه الصحفي التونسي (كارم الشريف) في صحيفة "الخبر" الأسبوعية الجزائرية وتناقلته عشرات الصحف والمجلات العربية عبر وكالة الأنباء الفرنسية (فرنس برس) أحد الأقلام الملفعة بالنظرة الفحولية التي تلغي الإبداع الأنثوي، وقد ورد مقاله تحت عنوان: "سرقات أدبية: هل يختفي سعدي يوسف تحت قلم أحلام ؟" وفيه يزف صاحبه لآلاف القراء الذين وقعوا - حسب تعبيره- تحت سطوة هذه الرواية وانبهروا بها، أنهم راحوا ضحية سرقة أدبية، بعد أن بلغه أن الشاعر الكبير (سعدي يوسف) أعلن في إحدى السهرات، وفي مقهى على ضفاف البحر الأبيض المتوسط أنه الكاتب الحقيقي لرواية ذاكرة الجسد
[5].
« إن مثل هذه النـزاعات العدوانية مما يوسع دائرة الضجيج ويؤكدها ويجعل لها جدورا تحدث شرخا في قيمنا الأدبية»
[6]
ثم إن ما حدث مع أحلام مستغانمي هو نفسه ماحدث مع الروائية الكاميرونية (كالكست بيالا- (Calixthe Beyala حين أصدرت روايتها الأولى (إن الشمس هي التي أحرقتني)عام1987م، حيث أحدثت تقنياتها السردية الجديدة في حينه أصداءاً قال عنها (جوزيف نديندا): «لقد قوبلت هذه الرواية بالترحاب من طرف الجمهور ومن طرف النقد الأدبي الغربي وبالمقابل اعتبر بعض النقاد الكاميرونيين بأن الرواية كانت مثيرة ومحرضة وقد تعرضت الكاتبة حينها للنقد اللاذع، بل المهين أيضا، ووصلت الإهانة حد اتهامها بالسرقة الأدبية وعدم نسبة الرواية إليها »
[7]
وفي المشهد العربي سبق وأن صدرت رواية (أيام معه) لكولين خوري، وقال الكثيرون عنها أنها تحكي علاقتها بنـزار قباني وأنه هو الذي أعاد كتابتها ولكن هذا لم يصرف القراء عن (كولين)
[8] فهذه الأقوال لا
تتـعدى أن تكون نوعا من النمائم الرخيصة التي لا يجب الاهتمام بها، فالعمل نفسه هو الجدير بالاهتمام.

بيد أن هذا اللغط لم يغيب بصخبه الجانب المضيء، فثمة من وقف عند هذه القضية وناقشها بأسلوب منطقي أزاح الغبار عن كينونة المرأة المبدعة وعالمها الملبَّد بالمصادرة والإلغاء والقهر، وتجلت هذه الإضاءات في مقالات مختلفة منها: "قراءة نقدية في رواية (ذاكرة الجسد) " لفريدة النقاش
[9] و"سلطة النص الآخر في الخطاب الروائي لأحلام مستغانمي" للناقدة العراقية وجدان عبد الإله الصايغ[10] و "عندما يصل المبدع إلى سن الفاجعة" للناقد الكبـير عبد العزيز المقالح [11]، وسأتريث هنا عند أبجدية الناقدة العراقية (وجدان عبد الإله الصايغ) التي تتساءل:
«حين يطرد المبدع من فراديس إبداعه ويشكك بانتمائه إلى نبض جنانه لتغدو ومضاته الجمالية إبرا مسنونة تقض مضجعه وتهز أشجار رؤاه، ما الذي يفعله ؟ »
[12]
إن رواية أخرى جديدة لأحلام مستغانمي كفيلة بأن تجيب على هذا السؤال وباستطاعتها أن تسكت كل الأصوات المشككة. تقول أحلام: « الكاتب لا يرد بمقال بل بكتاب آخر»
[13] فبصدور روايتها الثانية (فوضى الحواس) أثبتت أحلام مستغانمي أنها روائية جديرة بالاحترام وتحدَّت أنذاك أعداءها: «أولئك الذين يريدون أن يرو جثـتي تطفو على بركة سخافتهم، فهم مطالبون بأن يشحذوا خيالهم في البحث عن سلطة أدبية أخرى ينسبون إليها عملي القادم (..) وبالمناسبة، ولمزيد من الإشهار أقترح على هذا الصحافي أو من شابـهه البحث عن شاعر آخر حتى يعلن عن أبـوته ل( فوضى الحواس) »[14]
إذا كانت الروائية الكاميرونية (كالكست بيالا) قد حسمت الموقف لصالحها حين أصدرت روايتها الثانية (ستسمى طانكا) سنة 1988م، فإن أحلام مستغانمي حتى بعد نجاح روايتها (فوضى الحواس) التي تجاوزت إحدى عشر طبعة، لا تزال محاصرة بحراس الأخلاق هؤلاء الذين قالت عنهم أحلام:«أي قدر يتربص بالكاتب العربي الناجح الذي يقف في مسافة وسطية بين القتلة والمرتزقة، فهو متهم بالكتابة، والذين يعادونه، والذين قد يقتلونه،لم يقرؤوه، ولم يحاولوا أن يفهموه، أو يناقشوه، إنما هم يحاسبونه على اختلافه عنهم لا عن اختلافه معهم.. »
[15]
تقول حكمة " الأشجار المثمرة هي التي ترمى بالحجارة " لذلك فلا غرابة أن تكون أحلام مستغانمي كاتبة بكتابين وست محاميين، خاضت ولا تزال تخوض معارك أدبية لا نبل فيها، في زمن عربي يحترف وأد الإبداعات الجميلة وطمسها وتنتشر فيه عدوى فقدان مناعة الحياء.
[1] «قضية أحلام مستغانمي» (مجلة الأفق الإلكترونية) العدد01-السنة الأولى.(سبتمبر2000) www.ofouq.com

[2] الصفحة الرابعة من رواية "عابر سرير" للمؤلفة أحلام مستغانمي.منشورات أحلام مستغانمي.بيروت.لبنان.2003.للمزيد من الإطلاع حول الترجمـتين الفرنسية والإنجليزية: www.ahlammostaghanemi.com

[3] « قضية أحلام مستغانمي» المرجع السابق.

[4] أحلام مستغانمي «ندوة المرأة والكتابة في مهرجان الرباط الدولي-يونيو2000» مجلة الأفق-العدد01-السنة الأولى(سبتمبر2000) www.ofouq.com


* يعد كتاب«إسرائيليات بأقلام عربية» لغادة السمان (وهي غير الكاتبة السورية المشهورة) من الكتب التي تكرس هذه النـزعة الفضائحية، حيث انساقت كاتبته غادة السمان مع تيار القدح والتشهير لتتهم أحلام مستغانمي بالدس الصهيوني الذي لم ينتبه إليه القراء-على حد تعبيرها-والكتاب صدر عن دار الهادي- ببيروت 2001.
[5] « قضية أحلام مستغانمي» مرجع سبق ذكره.
[6] وجدان عبد الإله الصايغ «سلطة النص الآخر في الخطاب الروائي لأحلام مستغانمي» مجلة ثقافات- الصادرة عن كلية الآداب-جامعة البحرين.العدد2-ربيع2002.ص103
[7] جوزيف نديندا « الكتابة والخطاب النسائيين بالكاميرون» ترجمة:دامية نـخونيا-مجلة نوافذ-العدد11-جدة- مارس2000-ص.ص131-132
[8] « قضية أحلام مستغانمي» مرجع سبق ذكره.
[9] فريدة النقاش «قراءة نقدية في رواية ذاكرة الجسد» –العربي-العدد457- ديسمبر1996م. ص 110
[10] وجدان عبد الإله الصايغ. المرجع السابق.ص103
[11] عبد العزيز المقالح «عندما يصل المبدع إلى سن الفاجعة» الإتحاد الثقافي-الإمارات20يوليو2000م (عثرنا على عنوان
المقال وبعض مضامينه في مقال وجدان عبد الإله الصايغ السابق الذكر.ص104
[12] وجدان عبد الإله الصايغ. المرجع السابق.ص103
[13] أحلام مستغانمي « ندوة المرأة والكتابة» مرجع سبق ذكره.
[14] نفسـه.
[15] نفسـه.






2-اعتبارات تمهيدية ونظرية:

2-1-اعتبارات تمهيدية:

أ- لقد كان لزاما علينا أن نشير إلى قضية أحلام مستغانمي وبعض ملابساتها لأننا لامسنا بشدة مدى تأثير هذه القضية على مستوى الكتابة الروائية عند أحلام مستغانمي، حيث تقول في رواية (فوضى الحواس): «جميل كل ما يمكن أن يحدث بسبب كتاب يمكن أن نكرم، يمكن أن نسجن، يمكن أن نغتال، يمكن أن نحب، يمكن أن نكره..يمكن أن نقدس، يمكن أن ننفى..فلا يمكن أن نخرج بحكم البراءة من كتاب.. »
[16] وهو نفسه الكلام الذي قالته في ندوة المرأة والكتابة بالرباط : «جميل كل ما يحدث لكاتب بسبب كتاب..بسبب كتاب يمكن أن تحَب ويمكن أن تكره، ويمكن أن تسجن ويمكن أن تكرم، ويمكن أن تغتال ويمكن أن تشرد. ويمكن أيضا أن تحصل على جائزة لم تتوقعها يوما.»[17]
يأتي طرحنا لـهذه القضية من جهة ثانية لأنها من بين القضايا الفريدة التي كشفت عما يدور في كواليس الأعمال الأدبية قبل طباعتها.فإن كان ما تناقلته وسائل الإعلام من الهمس الذي يتم في الجلسات والمسامرات الخاصة والمغلقة يأتي في إطار الخبطات الصحفية المحكومة بإيقاع هاجس التسابق والتسرع، فإن ما يقدمه الأدباء والنقاد من توضيحات وآراء حول الإبداعات وما يرافق ذلك من اهتمام القارئ يعد ظاهرة صحية يجب الإلتفات إليها، ولعل هذا ما دفع أحلام مستغانمي إلى الإعلان مبكرا عن روايتها (عابر سرير) قبل صدورها
[18]

ب- لقد دأبنا في بحثنا هذا على دراسة روايتي (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) لأنـهما كل لا يتجزأ، فكلاهما تحيل على الأخرى بطريقة أو بأخرى، ونخال أن اقتصارنا على رواية واحدة سيؤدي إلى بحث مبتور، وليس أدل على تقاطع النصين وتداخلهما من قول الدكتورة سوسن لبابيدي وهي بصدد إبداء ارتساماتها حول قراءتـها الأولى لفوضى الحواس: «ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها فوضى الحواس، لعلي قرأتها بين سطور ذاكرة الجسد، أو في زمن آخر»
[19]

2-2-مداخل نظرية:

أ- سأسعى إلى مقاربة أُواليات السرد في روايتي أحلام مستغانمي اعتمادا على تصور نظري يكرس فرضية تعالق البنيات النصية والإديولوجية والقيمية للخطاب الروائي وتفاعلها. هذا الطرح النظري سيؤمن لنا الإطار المنهجي والإجرائي الأمثل لمقاربة حركيات السرد في علاقته العضوية مع مكونات التخييل من جهة، ومع القصدية الموجهة الإستراتيجية للكتابة ورهاناتها من جهة أخرى.
إن السرد ليس مجرد شبكة من التقنيات تشتغل من تلقاء نفسها دونما موجه أو غائية، وإنما هو-على العكس من ذلك-بؤرة من الديناميات والإستراتيجيات الموصولة برؤية للعالم يصدر عنها المبدع في تخييلاته، ذلك أن التماهي باعتباره تضليلا وإيهاما، وتشخيص المكتوب باعتباره تصوراً فلسفيا للكتابة وغيرها من السمات ليست في الواقع سوى تجسيد جمالي ورمزي لقلق الكينونة ولا يقينية الأشياء وتصدع التوابث واغتراب الإنسان في متاهة العالم.
لقد أملت علينا هذه الاعتبارات الخاصة بالسرد الانتقال إجرائيا وجدليا من الوصف إلى التأويل لبناء تصور متكامل بخصوص آليات اشتغال المكون السردي للخطاب الروائي عند أحلام مستغانمي، مما استوجب الانفتاح منهجيا على مقاربات تتجاوز أطروحاتها الحدود الحصرية للشعرية البنيوية والسرديات وهو ما سيتضح في سياق التحليل.

ب- تشكل البنية السردية بأوالياتها ووظائفها، مكونا مركزيا من مكونات الخطاب الروائي عند أحلام مستغانمي وملمحا متميزا من ملامح مغامرة إبداعية وجمالية قلقة وإشكالية تروم استكشاف عالم الأشكال وأشكال العالم ومساءلتهما، ذلك أن زحزحة طرائق السرد التقليدي ليس مجرد إجراء تقني وشكلي فقط، وإنما هي أيضا وأساسا فعل انتهاك وانزياح عن حساسية بكاملها جماليا واديولوجيا ومعرفيا في آن واحد.
إن السرد بـهذا المعنى ترسانة معقدة من الأوليات المبرمجة وفق اعتبارات جمالية وقيمية واديولوجية تتحكم سيرورة تفاعلها في صوغ لعبة التخييل الروائي وتوليد مساراته الدلالية واستراتيجياته التواصلية.
وعلى هذا الأساس ينبغي أن نوضح منذ البداية أن القصة في (ذاكرة الجسد) وفي (فوضى الحواس) مكتوبة بشكل طيفي، حيث تعطي المؤلفة للقصة فضاءات مضاعفة تحفزها للاستعلاء على الأجناس الأدبية، إذ تداخل السرد النثري بروح شعرية تتوثب عبر المكاشفة للاختراق عميقا نحو التكوينات النفسية الباطنية المبهمة. كما أن خصوصية شخصيات روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس تتجلى في انفجارات الذات نحو آفاق غير منضبطة لأية معايير أدبية أو واقعية.
إنها حالة كتابة استـثـنائية عمادها التقاط الموارى في الذات وانضغاطات الكبت والحرمان والقمع والغربة.

ج- سنسعى أثناء مقاربتنا لروايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس إلى موضعة السرد ضمن أفق الخطاب (لا النص) واختيارنا هذا يستجيب لاعتبارات منهجية وإجرائية صرفة تستمد مشروعيتها من واقع كون السرد مكونا ديناميا لا تتحدد تشكلاته إلا في سياق الرؤية العامة التي توجه الخطاب الروائي.
ولما كان المصطلح بناء نظريا لا معطى جاهزا، وكانت الحاجة إليه كامنة أساسا في مدى نجاعته واستجابته لنوعية الأسئلة التي يصدر عنها كل باحث، فإن الإلحاح هنا على تداول مفهوم الخطاب-بالمعنى الباخـتني- سيحرر مقاربتنا من إسار التحليلات المجردة والمبتسرة للشكل الروائي.
يمتلك مصطلح الخطاب، شأنه شأن النص وضعا ملتبسا لتشعب وتباين المباحث والتخصصات التي اشـتغلت عليه كموضوع أو توسلت به كإجراء (اللسانيات-فلسفة اللغة-نظريات تحليل الخطاب...) ونجد لدى اللسانين وغير اللسانين تحديدات خاصة جدا وأخرى عامة تجعل منه مرادفا للنص أو الملفوظ (Lénoncé)
[20]
ودون الخوض في تفاصيل وحيثيات هذه التحديدات، سأكتفي بإيراد تعريف ميخائيل باختين للخطاب اعتبارا لقيمته النظرية والإجرائية: « إن الشكل والمضمون شيء واحد داخل الخطاب المعتبر بمثابة ظاهرة اجتماعية: وهو اجتماعي في مجموع مجالات وجوده وعناصره، ابتداءً من الصورة السمعية ووصولا إلى التصنيفات الدلالية الأكثر تجريدا»
[21]
يسمح مفهوم الخطاب في ضوء التصور الباختني بمقاربة جدلية وتأويلية تتعدى النطاق الضيق لمصطلح النص. إن الخطاب وفق هذا المنظور يتضمن مبدأ تلازم الأشكال ودلالاتها مما يفسح المجال لمباشرة قراءة عبر-نصية Transtextuelle تلامس الخطاب الروائي وسياقه العام.

د- إن السرد ليس سوى عنصر من بين عناصر أخرى تشكل سردية الخطاب الروائي، ولذا فنحن ندرك جيدا أن الاهتمام المفرط به يؤدي إلى حجب مقومات أساسية وثيقة الصلة به أو تهميشها كذيول ملحقة، ولذلك حرصنا على التركيز على بعض جماليات التلقي مما يتصل بالوعي والذوق الجماعي.

هـ- كل خطاب روائي يتضمن بنيات أو عدة مكونات من بينها المكون السردي الذي تختلف شاكلة تحديده ومقاربته من اتجاه إلى آخر، فهناك من يتناول السرد على نحو مجرد بغرض بناء تصور (نمذجة-Typologie ) عام (السرديات البنيوية، مثلا) وهناك من يسعى إلى تشيـيد نماذج نظرية ونقدية تتجاوز حدود التحليل الوصفي العام إلى اقتراح مقاربات تواصلية-تداولية (جاب لنتفلت J.Lintvelt)
[22] أو سيميائية تعاقبية (فلادمير كريزنسكي-W.Krysinski)[23] أو سوسيو- نقدية (بيـير زيما P.Zima)[24] تأخذ في الاعتبار علائق البنـى السردية والسيميائية بإديولوجية العمل الأدبي وشروط الإنتاج وسياق التلقي من منظور جدلي وتفاعلي.
وانطلاقا من كل ما سبق ذكره فإن الدراسات البنيوية والسيميائية والتداولية للخطاب الروائي تستوجب تجسير الفجوة بين هيرمينوطيقا السرد وشكله
[25] وبناء جسر نظري ومفهومي للانتقال من الوصف إلى التأويل على نحو يتجاوز القوالب النحوية التي يفرغ فيها الإبداع, ومن تم فتحليلنا للبنية السردية في روايتي أحلام مستغانمي يتجاوز الإطار الضيق للمقاربة البنيوية للسرد, فيما يستثمر أدواتها ويطعمها بمنظورات ومفاهيم جديدة قادرة على تعيين خصوصيات الخطاب الروائي.














[16] أحلام مستغانمي «فوضى الحواس» دار الآداب-بيروت-الطبعة11-2001م. ص325
[17] أحلام مستغانمي « ندوة المرأة والكتابة» مرجع سابق
[18] نفسـه.صدرت الرواية عن منشورات أحلام مستغانمي.بيروت.لبنان.2003
[19] سوسن البابيدي «ماذا بعد أن صارت الحواس فوضى؟ » مجلة الموقف الأدبي (تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق)
االعدد382-السنة32-شباط2003م
www.awu-dam.org/mokifadaby
[20] أورد دومنيك مانكينو D.Maingueneau ستة استعمالات محض لسانية لمفهوم الخطاب في كتابه :
Initiation aux méthodes de l'analyse du discours" Paris.Hachett1976P.P11-12 "
[21] ميخائيل باختين«الخطاب الروائي» ترجمة وتقديم محمد برادة-الرباط-دار الأمان-1987م. ص29

[22] يحسن الرجوع بهذا الصدد إلى أفكار وتحليلات (جاب لنتفلت) الواردة في كتابه:
«Le point de vue:théorie et analyse.Essai de typologie narrative»
Paris Librairie Jose Corti-1981
[23] عبد الحميد عقار « فلاديمير كريزنسكي.من أجل سيميائيات تعاقبية للرواية» ضمن كتاب "طرائق تحليل السرد
الأدبي" الرباط. منشورات اتحاد كتاب المغرب. الطبعة الأولى1992

[24] أنظر سعيد يقطين « انفتاح النص الروائي» –المركز الثقافي العربي-ط2-2001م . ص25-26-27
[25] Wladimir krysinski "Carrefours de Signes" Paris-ed.Mouton1981.P134

الفصل الثاني: تشخيص المكتوب كعلامة نصية في روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس

- تـمهيــد:


في روايتي (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) يشعر المتلقي أنه إزاء كتابة جديدة تعطى فيها القيمة الأولى لفعل الإبداع، فشرط الكتابة الجديدة هو البحث عن أدب مستحيل يعلن قطيعته مع السجلات السردية الكلاسيكية المنتمية إلى واقعية مقيتة أهم قدراتها التصوير والصدق والإلتزام.
منذ القدم كانت الواقعية التقريرية مطب الرواية الجزائرية التي تبتلع الجرح الجزائري في صمت مرير، وكأن لا هدف للرواية إلا توثيق التاريخ[1]
وهذا ما يبينه (مخلوف عامر) من خلال دراسته لمجموعة من النصوص الروائية مثل: ("السعير" لمحمد ساري-"البزاة" لمرزاق بقطاش –"ريح الجنوب "لعبد الحميد بن هدوقة –"التفكك" لرشيد بوجدرة-"الشمعة والدهاليز" للطاهر وطار..) وهي نصوص اتسمت بالواقعية التسجيلية الموسومة بجلاء السياسي وخفاء الأدبي[2] ولهذا أصبح هاجس الروائيين المجددين هو البحث الدائم عن كتابة روائية تسعى إلى تحرير الرواية الجزائرية من أسر العلاقة التقليدية بين الأدب والواقع، ومن قواعد إحالة الأول على الثاني.
في هذا الإطار تندرج أعمال (أحلام مستغانمي) التي تتبنى خطابا روائيا ينـزاح عن السائد السردي ويخلق تميزه وفرادته على مستوى الكتابة الروائية، انطلاقا من كونه خطابا يحيل على واقع روائي داخلي صرف، ويبني عالما روائيا يحيل على ذاته متلمسا جل عناصره من بناه الداخلية.
إنها تقنية (تشخيص المكتوب) التي تسم الخطاب عند (أحلام مستغانمي) فماذا نقصد بـ(تشخيص المكتوب) ؟
لا بد من الإشارة أولا أن مفهوم (التشخيص) ورد لدى ميخائيل باختين حيث اعتبر أن تشخيص الواقع إحدى الخصائص الأساسية التي يقوم عليها بناء الرواية. فهو-التشخيص- «عنصر أساسي من عناصر شعرية النص الروائي فالرواية لا تكون رواية إذا لم تكن تشخيصا لكائن خارج عنها»[3] ومن هذا المنظور فـتبئيـر المكتوب وتشخيصه ما هو إلا تعلة للمرور للعالم الخارجي، فالمؤلف بدل أن يشخص (الواقع) يشخص(المكتوب) معلنا بذلك قطيعته مع المرجعية الاجتماعية والتاريخية ومؤسسا لمرجعية جديدة هي المرجعية النصية، ليحيل النص على النص وتستنجد اللغة باللغة وتؤكد ذاتها وتكتفي بها.
هذه التقنية تندرج ضمن جملة من التقنيات التي أعطاها الروائيون وعلماء السرد تحديدات وتسميات متعددة وذلك «بسبب ما يكتنفها من فروق دقيقة، مثل "تفكير الرواية في ذاتها"/جان بول سارتر/"الرواية داخل الرواية"/ميشيل ريـمون/"التقعيـر"La mise en obyme/ أندريه جيد/ جيرار جنيت/ جان ريكاردو/...، "المحكي المرآوي"Lucien Daillenbach "شكلنة المحكي" La formalisation du recit, J.Ricardau »[4]
وقد آثرنا استعمال تسمية (تشخيص المكتوب) لأننا لامسنا بشدة أن السرد يرفع من المكتوب ليجعل منه مرادفا ومكافئا للحياة، فخلافا لما هو مألوف من أساليب ومهارات تضطلع بتشخيص الواقع، نقف في الخطاب الروائي عند أحلام مستغانمي على جملة من الاستطرادات التي تعمد الروائية إلى تكثيفها من أجل تدعيم عضوية النص وايجاد سلطة رمزية له ضمن واقعية جديدة تنبثق من رؤية فنية واعية، تتصل بفلسفة الكتابة، وترمي إلى تجاوز الواقعية التسجيلية.
إن حضور (تشخيص المكتوب) كعلامة نصية في ثنائية ( أحلام مستغانمي) بشكل مكثف يجعلنا نتساءل:
هل اختلطت خيوط الإبداع والتنظير إلى هذا الحد ؟ هل هذا التـدخل علامة من علامات الواقعية الجديدة ؟ ثم ماذا تريد الروائية تبليغه، هل عجز الحبكة أم عجز التشخيص ؟
إذا كان التشخيص لعبة فنية بالنسبة للكاتب العربي، فهل يعبر عن رؤية فنية واعية بفلسفة الكتابة؟ ونتساءل أيضا إلى أي حد يحدد تشخيص المكتوب أسلوب السرد وينعكس على البناء العام للرواية ؟
سنحاول من خلال استنطاقنا للروايتين (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) الوقوف على خبايا هذه الإشكالية وأسرارها والتعرف عن كتب على أسلوبية مميزة وجديرة بالمتابعة.
























2-تشخيص المكتوب كحكمة* تتصدر روايتي أحلام مستغانمي:


حاولنا لأجل رصد تقنية تشخيص المكتوب وامتداداتها داخل المتن الروائي عند أحلام مستغانمي الاستفادة من تصور (سعيد بنكراد) في دراسته للخطاب الميتاسردي في رواية (الشراع والعاصفة) لحنا مينة [5] مراعين ما يوجد من اختلافات بين الروايتين.
ونرى أن دراسة (الخطاب التمهيدي ) في النص الروائي عند أحلام مستغانمي من شأنه أن يبرز مجموعة من «التحديدات التي تلقي بظلالها على مجموع عناصر القصة وتسمها بميسمها»[6] فحين يبدأ السارد النص بتشخيص المكتوب يأتي كلامه على شكل حكمة.
وما يهمنا هنا، أن هذه الحكمة عتبة أساسية لفهم النص ورصد إمكانيات تشخيص المكتوب فيه، فهي حكمة تختزل المفهوم الفلسفي للكتابة بوصفها ليست جسرا بين القارئ والكاتب فحسب، بل هي عوالم من الحلم والرغبة المسكوت عنهما في عالم يصادر الأحلام والأمنيات الجميلة.

[1] مخلوف عامر «الرواية والتحولات في الجزائر-دراسات نقدية في مضمون الرواية المكتوبة بالعربية» من منشورات اتحاد
الكتاب العرب بدمشق. www.Awu-dam.org/book
[2] المرجع نفسه .
[3] محمد الباردي «إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة» –من منشورات اتحاد الكتاب العرب بدمشق
www.Awu-dam.org/book
[4] رشيد بنحدو «حين تفكر الرواية في الروائي» مجلة الفكر العربي المعاصر67-68 يونيو/غشت.بيروت/باريس. مركز
الإنماء القومي.1989م. ص.ص31-32
* الحكمة سابقة على الأحداث على مستوى السرد ولاحقة عليها على مستوى القصة (وهي في اصطلاح أ.جولز) نص نسقي,إنها سلسلة من الأفعال الممكنة المسننة داخل نسق ثقافي معين. فكما كانت هذه الحكمة نتيجة سيرورة من الأفعال الإنسانية فإنها ستكون منطلقا لسلسلة من الأفعال الممكنة. (سعيد بنكراد- شخصيات النص السردي-ص127).

[5] سعيد بنكراد «شخصيات النص السردي-البناء الثقافي» مكناس: كلية الآداب. 1994م- ص127
[6] نفسه. ص 127

-1-في ذاكرة الجسد:


لا يأتي تشخيص المكتوب كلاما عابرا في بداية كل نص، ولكنه يشكل قمة الوعي بالكتابة، وهذا ما يجعلنا نرى أن البداية التي بدأت بها رواية (ذاكرة الجسد) هي بداية موسومة بالحكمة.حيث تبدأ الرواية بالأسطر التالية:
«مازلت أذكر قولك ذات يوم:
-(الحب ما حدث بيننا، والأدب هو كل ما لم يحدث)، يمكنني اليوم بعد ما انتهى كل شيء أن أقول: هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما أكبر مساحة مالم يحدث...إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب..وهنيئا للحب أيضا..
فما أجمل الذي حدث بيننا..ما أجمل الذي لم يحدث، ما أجمل الذي لن يحدث.. »
[5]

يبدأ النص بعد عتبات العنوان واسم المؤلف والإهداء بهذه السطور، ولكن دلالة الجمل الأولى هنا تؤشر على أنها تتويج لسيرورة من الأفعال الإنسانية، فهناك قصة حب حدتث، والسارد منذ البداية يستعرض مهاراته، فبمقدور الأدب أن يتصور هذه التراكمات المعرفية /القصة، ويصوغها وفق الاحتمالات الأجمل التي قد تجعل من الواقع/الفجيعة إبداعا مقبولا.
سنلحظ بشكل جلي أن الحكي يراهن على خزان الذاكرة (أذكُر) ثم التحديد الزمني (ذات يوم) الذي يبئر الصفة الإسترجاعية للحكي، الذي يقوم على تجربة في الكتابة والحياة.
يأتي الماضي أيضا منظورا إليه بعين الحاضر حين يقول السارد: (يمكنني اليوم بعد أن انتهى كل شيء)، والسارد حين يقول (يمكنني اليوم) يوحي أنه سارد عليم وذو معرفة مكتملة، وتماديا في خطابه المتعالي يتحدث عن النص (ذاكرة الجسد) بوصفه (فجيعة) باسطا نظرته النقدية التي من خلالها يود أن يقول: إن الأدب يقتات من فجائع ومآسي الآخرين الذين يحلوا للقراء الاستمتاع بقراءتها بنفس سادي.
يدعو (سعيد علوش) هذا النوع من الاستطرادات المبئرة لخصوصية الكتابة وأهميتهابـ(التدخلات السافرة)
[6] وهي ليست ظاهرة جديدة، ففي الكتابات الكلاسيكية الأولى ساد هذا النمط من الكتابة خاصة في الرواية الغربية مع (هنري فيلدينغ وتشرلز ديكنـز وبلزاك وستندال..) ونجد مثالا واضحا في رواية (قصة حبLove Story) لاريك سيجال-Erich Segal حيث يخاطب البطل أوليفر القارئ في مستهل الرواية:« ما رأيك يا قارئي في فتاة ماتت في الخامسة والعشرين من عمرها وكانت جميلة وذكية، أحبت موزار وباخ وأحبتني »[7] تبدأ الرواية باستدرار الدمع وتنتهي بذلك.
هذا النوع من الخرق ليس غريبا حتى في الرواية العربية، إذ نجده عند (صلاح الدين بوجاه) في رواية (النخاس) ويحضر بشكل آخر في رواية (وردة للوقت المغربي) لأحمد المديني التي نقتطف منها هذا المثال: «...قد تسألون عن السبب ولكنني لا قبل لي، الآن، ولا بعد هذا الزمن، على رواية التفاصيل، وأكرر على أسماعكم، إن كانت لا تزال مصغية، بأنني لا أميل إلى الحكاية ميلكم وعشقكم لها»
[8]
إن دلالة هذا الخطاب ووظيفته تختلف من عصر إلى آخر ومن رواية إلى أخرى، فحسب جيرار جنيت فإن: «الكاتب لا يقول (قارئي) إلا بحكم عادة اكتسبها من لغة المقدمات والإهداءات التي هي لغة منافقة..أما الواقع فهو أن كل قارئ إنما هو قارئ يقرأ»[9]. وهذا القول ينطبق على الرواية الكلاسيكية التي تتملق القارئ وتتودد إليه وتجامله محاولة إغراءه حتى لا يمل وينصرف.
أما الرواية الحديثة فقلما يعمد الروائي إلى استعطاف القارئ بل إننا نجد في رواية (الأشجار واغتيال مرزوق) لعبد الرحمن منيف أن السارد وهو يخاطب نفسه يقول: «أنت بالتأكيد ذبابة، فأر أعرج، ثور مربوط العينين يدور حول نفسه، ليس في حياتك منذ البداية حتى الآن شيء يستحق أن يحكى، ولكن حين جروا قدم الحصان ليضعوا لحافره حذوة جديدة قدم الفأر رجله وقال: أنا أيضا؟!»
[10]
وفي (وردة للوقت المغربي) يستفز السارد القارئ: « من كان منكم يرغب في اليوم الآخر فليترك هذا الكتاب»[11]

تلك كانت خصوصية الخطاب الروائي الحديث في توظيفه لتقنية التدخلات السافرة أما خصوصية الخطاب الروائي لأحلام مستغانمي فتنبع من كونه لا يسعى إلى تحرير القارئ من حالة الجمود فحسب، بل إنه يراهن على تحرير هذا القارئ من الإنبهار والذهول اللذين يرافقانه أثناء قراءة عمل ذي درجة من الإقناع والإمتاع، وذلك بإشراك هذا القارئ في دوامة صياغة النص الإبداعي، فهو مطارد على طول القراءة بهواجس التفكير في المتخيل الذي يعيه تماما، ويساهم في تشكيله والتماهي معه.
إنه خطاب لا ينادي القارئ (يا قارئي) ولكنه يستدرجه للتورط في عملية إبداعية، إذ يبدو أن مكاشفة القارئ عن طريق مباغتته لا من أجل استرضائه وتقريبه، قائمة منذ البداية في نص (ذاكرة الجسد)، فحين يثمِّن السارد قول البطلة:(الأدب هو كل ما لم يحدث) بقوله: (ما أكبر مساحة ما لم يحدث..إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب) يعري النص ويفضحه ويكسر الإيهام .
يتصدر ذاكرة الجسد كلام حكمي، وإن كان يمارسه سارد صريح وحكيم فإنه أيضا سارد متسلط «له سلطة المعرفة وسلطة في نمط توزيعها، وسلطة في تداولها وسلطة في ضبط المسارات الفعلية والممكنة للنص الأدبي»
[12]
وبما أنه سارد يجمع بين سلطتي السرد والتأويل فإنه يهئ من خلال الجمل الإستهلالية السابقة الذكر لرواية قصة متموقفة من كل ما هو مكتوب، بحيث تشير إلى طريقة انكتاب الرواية مـبئرة لأهمية المكتوب الذي يعتبر عالما من الحلم يستقل عن الواقع الحقيقي. ولكون السارد يمتلك سلطتي السرد والتأويل معا «فخطابه يتحول إلى وظيفة ميتاسردية أي إلى خطاب يتحدث من خلاله عن الحكي وعن القصة من خلال صيغ شبه حكمية.»[13]
من هنا ستكون الصيغ الحكمية منطلقا لمجموعة من التمييزات: (الذي حدث بيننا-الذي لم يحدث-الذي لن يحدث)، وسنتوقف عند هذه التحديدات على حدة لنرصد استراتيجيات السارد التي تكشف طابع تشخيص المكتوب بجلاء:

أ-الذي حدث بيننا: هو الواقع من منظور شخصيات النص الخيالية-فما حدث بيـن طرفين- (السارد والبطلة) هو قصة حب. هذا الواقع الذي لا بد أن يعاد النظر فيه على ضوء ما يقدمه السرد-فالحب الذي وقع- هو بعد أن نغلق دفتـي الكتاب-متخيل- ليس له امتداد في الواقع الحقيقي بقدر ماله امتداد في كراريس الكتابة.

ب-الذي لم يحدث: هو الأدب الذي يَنسج في دائرة المتخيل ما هو محتمل، فالأدب في حركته المحايثة للواقع يراهن في تشكيل مادته على ما لم يقع.
إن الكتابة هنا تتأسس وفق تصور (كافكا) حين يقول: « إني أكتب بخلاف ما أتحدث، وأتحدث على خلاف ما أفكر، وأفكر على خلاف ما ينبغي لي أن أفكر، وهكذا دواليك إلى أبعد أبعاد الظلمات»
[14]

ج- الذي لن يحدث: تنشد المؤلفة إلى كتابة إعجازية خارقة فـ(الذي لن يحدث) هو طموح يدعو الكاتب والقارئ إلى البحث عن أدب مستحيل، فالمطلوب من القراءة أن تنفتح على المطلق كما يتعين على الكتابة أن تنشد الكمال.
إن مجاراة(الذي لن يحدث) تبقى أفقا عصيًا على الكتابة والقراءة، لا تبلغه ملكة الخيال وإنما تتخذ منه كمالا منشودا.
إن هذه الإستراتيجيات التي ترصد معالم الكون الروائي، وترسم مساراته في ذاكرة الجسد ستكون أصل الكتابة اللاحقة ومنطلـقها، إذ أننا سنجد أنفسنا أمام «فقرات خالية من أي طابع سردي، ملفوظات لها طابع المطلق وتشتغل كأنها مفصولة عن الزمان والمكان، إنها صيغ شبه حكمية، وما دامت كذلك فما يربطها بالزمن هو كثافة التجربة الإنسانية فقط»
[15]. ومن هنا «الفرق بين زمن واقعي تنمقه الكتابة التقليدية وتسعى إلى نقله، وزمن متموقف من كل ما يمت إليه بسبب وضمنه بالأخص الكتابة التقليدية، ولعل هذا ما يبرز الكتابة الجديدة المغايرة»[16]


[5] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» بيروت-دار الآداب-الطبعة السادسة 1998م- ص07
[6] سعيد علوش «عنف المتخيل الروائي في أعمال إميل حبيبي» مركز الإنماء القومي. ص 4
[7] Erich Segal "love Story" London.Panguimbooks. P. 8
[8] أحمد المديني «وردة للوقت المغربي» – بيروت (دار الكلمة) ط2- 1983 م. ص 37
[9] جيرار جنيت « خطاب الحكاية» ترجمة : عمر حلي-محمد معتصم-عبد الجليل الأزدي- الدار البيضاء- مطبعة النجاح
الجديدة-ط1 -1996م – ص265
[10] عبد الرحمن منيف «الأشجار واغتيال مرزوق»- المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 1987 ص291
[11] أحمد المديني.ص26
[12] سعيد بنكراد «النص السردي نحو سيميائيات للإديولوجيا» الرباط-دار الأمان-ط1- 1996م – ص83
[13] سعيد بنكراد «شخصيات النص السردي». ص127
[14] B.Gros et autres,"La litterature du Symbolisme au nouveau roman" Paris- 1970 p.p183-185
قولة كافكا التي أوردها (عبد المالك مرتاض) في «في نظرية الرواية» عالم المعرفة240-الكويت- المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب-ديسمبر1998م- ص69
[15] سعيد بنكراد.المرجع السابق-ص.ص129-130
[16] سعيد يقطين «القراءة والتجربة.حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب» سلسلة الدراسات النقدية4
البيضاء-دار الثقافة- الطبعة الأولى 1985م- ص135


2-2-في فوضـى الحواس:


في الرواية الثانية فوضى الحواس نحن أمام خطاب تمهيدي مغاير يؤجل ما هو حكمي طوال الخمسة عشر صفحة الأولى من الرواية، فالسارد منهمك في تأليف قصة. وحين ينهي عمله يبدأ في تشخيص المكتوب بحديثه عن القصة التي ألفها واكتسبت صبغتها كنص متوغل داخل النص الأم، فنجده يقول :
«أحببت هذه القصة التي كتبتها دون أن أعي تماما ما كتبت..فأنا لم يحدث أن كتبت قصة قصيرة، ولست واتقة تماما من أن هذا النص تنطبق عليه تسمية كهذه. كل ما كان يعنينـي أن أكتب شيئا. أي شيء أكسر به سنين من الصمت، لا أدري كيف ولد صمتي، ولكن تلك قصة أخرى»
[19].
الشيء الذي يدفع القارئ إلى التساؤل: هل ما قرأه فـي الصفحات الأولى ليس إلا استطرادًا؟ وأين تبدأ الرواية وأين تنتهي؟
إن عملية القراءة نفسها تتوقف بموازاة مع عملية الكتابة، هذا التوقف لديه أكثر من دلالة، فهو أولا يكسر الإيهام ويسمح للسارد بتغيـير موقعه. فإذا كان السارد في القصة التي تتصدر الرواية سيد الحكي لأنه سارد مالك للحقيقة ومطلق المعرفة، وبعد انتهاء القصة يصبح هذا السارد سيد نفسه، فإن حدود معرفته ستتقلص لتقتصر على عالمه المحدود حين يكون متكلما بضمير المؤنث.
هذا التوقف من شأنه أيضا أن يخلق فرصة لتأمل عملية الكتابة (هذه القصة التي كتبتها دون أن أعي تماما ما كتبت) يمثل هذا التأمل أقصى درجات الوعي بالنص لأنه يبئر كلاما حكميا يستقي تراكمه المعرفي من تجربة في الكتابة ممثل لها بالقصة التي بدأ بها النص.
إن احتفاء الخطاب التمهيدي بالمكتوب يتبلور من خلال استشرافه وتنبئه بنص حافل بالمكتوب (أدري كيف ولد صمتي، ولكن تلك قصة أخرى).
ونلحظ بشكل جلي الثنائية التي يحاول السارد تأكيدها، وهي: الصمت/الكتابة. وما يلفت الانتباه من خلال كلام السارد -أي شيء أكسر به سنين من الصمت -أن الصمت حالة جمود وواقع رتيب تصبح الكتابة معه ملاذًا وبداية لحياة أخرى.
لا شك أن بداية فوضى الحواس تضعنا أمام إشكاليتـي: تشخيص الواقع وتشخيص المكتوب، وتنبئ أن النص حافل بهذه الخصوصية، وهذا يؤكده النص الذي يحبل على طوله بمجموعة من التدخلات السافرة.

وهكذا فتشخيص المكتوب أو « (مجموع الكلام الحكمي) كما هو متبث في الخطاب التمهيدي يشير إلى فعل واضح يتحين دخول الذات إلى مسرح الأحداث ويعمل على بناء الكون الروائي كعالم من القيم يحيل على نفسه بنفسه. فإرساء عالم من القيم داخل الخطاب التمهيدي هو بالأساس إرساء لمرجعية داخلية لا تغني عن المرجعية الخارجية»
[20].
[19] أحلام مستغانمي «فوضى الحواس» ص.ص 23-24
[20] سعيد بنكراد .المرجع السابق. ص129


3-تشـخيص المكتوب في نـهـاية النص


3-1-في ذاكرة الجسد:

إذا كانت البدايات هي التي تحدد النهايات، فإن هذه النهايات هي الأخرى قد تكون بدايات، لأن النص «يتميز بانفتاحه كتابيا ودلاليا»
[21]
وقد برع الروائيون منذ القدم في صياغة النهاية الأكثر صخبا والأقوى وقعا، ورغم تفاوت وقع هذه النهايات في نفسية متلقيها فهي تخلِّف صداها وتترك بدايات يستمر امتدادها في الوجدان الجماعي.
وتيمة الموت كانت ولا زالت من أكثر النهايات توا ثرا في الرواية العربية خاصة الواقعية منها، فبما أن الموت تكون في الواقع ذات وقع قوي فالأحرى بها أن تكون في الروايات أكثر النهايات تعبيرا وإدهاشا.
ونجد أن الرواية الواقعية تفنـنت في تشخيص واقعة الموت، ففي رواية "بداية ونهاية"لنجيب محفوظ ينتحر (حسنين) و(نفيسة) في نهر النيل، وفي رواية "نهاية رجل شجاع" لحنا مينة تكون النهاية هي موت السارد المتكلم نفسه، وتتعدد الأمثلة التي تحيل في مجملها على تشخيص واقع أكثر النهايات فيه حتمية هي الموت.
ونسجت الروايات الحديثة نهاياتها في موضوعة الموت لكونها أكثر النهايات تعبيرا عن قلق الكينونة وانفتاحا على المطلق.
ولا يأتي الموت مجانيا في ذاكرة الجسد، إذ هو ليس موتا واقعيا كموت (رجب) في (شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف أو موت شخصية (منى) في ثنائية (نادية) ليوسف السباعي.
إنه موت رمزي يجعل الكتابة مكافـئا للحياة، فما إن تتوقف أجراس هذه الكتابة حتى يصبح الصمت مرادفا للموت، فالكتابة بضجيجها تعلن عن انبثاق ذوات تعبر عن الحلم والصدق، فهذه اللحظات المسروقة الخارجة عن سلطة الواقع تترك بصماتها قبل أن تخفت ثم تنقرض مخلفة زوبعة من الأسئلة المبعثرة.
ينطبق هذا المفهوم الذي يحكم جدلية الموت# الكتابة على العمل الأدبي في كليته، فما هذا الأخير إلا حفل تأبين، أما البطل (خالد) فما هو إلا كبش فداء.
إن هذه الرؤية النقدية يبئرها المكتوب ويعيها السارد البطل، وسنعرض لهذا القتل الرمزي بشيء من التفصيل فيما بعد.
وما يهمنا هنا هو أن الموت مشخصا في كتاب ليس إلا ضريحا للذكرى. وإذا كان المكتوب "فجيعة" و"قبرًا" فإن الكاتب قاتل يمارس لعبة القتل العمد بنـزعات إجرامية وببرودة مداد ودون أن يهتز له طرف ورقة.
وفي هذا السياق يدور حديث شيق بين السارد(خالد) والبطلة (حياة/أحلام) حين يعاتب (خالد) ملهمته (حياة/أحلام) على طريقتها في الكتابة:
«أتمنى أن لا يفسد عدد ضحاياك متعتي! »
فتجيبه بأسلوب مراوغ:
«-لا إطمئن...فأنا أكره المقابر الجماعية! »
[22]
ثم ما تلبث أن تبسط نظرتها النقدية دون مراوغة أو مواربة:
«إن المهم في كل ما نكتبه..هو ما نكتبه لاغير، فوحدها الكتابة هي الأدب..وهي التي ستبقى، وأما الذين كتبنا عنهم فهم حادثة سير..أناس توقفنا أمامهم ذات يوم لسبب أو لآخر..ثم واصلنا الطريق معهم أو بدونهم»
[23]
وتدافع عن موقفها:
«..إن في روايات (أغاتا كريستي) أكثر من 60 جريمة، وفي روايات كاتبات أخريات أكثر من هذا العدد من القتلى، ولم يرفع أي مرة قارئ صوته ليحاكمهن على تلك الجرائم، أو يطالب بسجنهن، ويكفي كاتبة أن تكتب قصة حب واحدة لتتجه كل أصابع الإتهام نحوها، وليجد أكثر من محقق جنائي أكثر من دليل على أنها قصته»
[24]

إن النص في ذاكرة الجسد يسائل القارئ وبجرأة، لماذا يحلو له أن يتابع مأساة أبطال يقاومون القدر باستماتة؟ وما سر هذه النشوة التي تعتريه وهم يتعذبون ويموتون أمامه ؟
والنص يقدم إجابات مضمرة من حين لآخر، كمثل قول السارد:
« ..أحتقر الناس الذين لا دموع لهم، فهم إما جبابرة..أو منافقون. وفي الحالتين هم لا يستحقون الاحترام»
[25]
إن البطل في ذاكرة الجسد يعرف كيف يمضي إلى حتفه، فبهدوء جنائزي وبنبرة أكسبها الكاتب حرارة التوديع يـختفي السارد (خالد)، وقبل هذا الاختفاء نطالع في السطور الأخيرة العبارات نفسها التي بدأت بها الرواية:
«وقلت:(الحب ما حدث بيننا..والأدب هو كل ما يحدث) نعم، ولكن..بين ما حدث وما لم يحدث، حدتث أشياء أخرى لا علاقة لها بالحب، ولا بالأدب، فنحن في النتيجة لانصنع في الحالتين سوى كلمات..ووحده الوطن يصنع الأحداث ويكتبها كيفما شاء..ما دمنا حبره»
[26]
حضور هذا النص في السطور الأخيرة من المتن الحكائي له ما يبرره، فنحن في النهاية أمام سارد يباغتنا بحدة وعيه وبنضجه المعرفي، فهو بعد أن انتهى من تشخيص الواقع (ما حدث بيننا) ومن تشخيص المكتوب(ما لم يحدث)، يقر ببقاء منطقة ملتبسة على وعينا نعيش فيها وننكتب. ولذا فبمرارة وخيبة يلملم السارد أوراقه:
«ولكني أصمت..وأجمع مسودات هذا الكتاب المبعثرة في حقيبة رؤوس أقلام..ورؤوس أحلام»
[27]

[21] سعيد يقطين «انفتاح النص الروائي»-المركز الثقافي العربي-الطبعة الثانية2001-ص6
[22] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» ص124
[23] نفسه. ص 125
[24] نفسه. ص126
[25] نفسه. ص120
[26] نفسه. ص403
[27] نفسه. ص404

3-2-في فوضى الحواس:

في رواية فوضى الحواس يتعمد السارد أن يمحو الخطوط الفاصلة بين الأدب والواقع، فبقدرة إيهامية فائقة أسهمت التدخلات السافرة المبتوتة في النص على تبئيرها، ينجح السارد وبامتياز في تشخيص المكتوب وإعطائه مشروعيته وواقعيته.
وعلى الرغم من هيمنة فكرة الموت طوال الرواية، وتعدد الميتات، فإن المكتوب يدور حول نفسه ليرصد ظاهرة الموت مشخصة فيه حين يقول السارد «رحل كي يصبح ذلك النص بموته جميلا»
[28] فالشيء الذي ينتهي وينقرض هو أكثر الأشياء تميزا وقيمة، وكل ما هو آيل للانتهاء يزداد جمالا بانتهائه. والنص أيضا يحاول أن يعطي الانطباع بفرادته وتميزه، خاصة في السطور الأخيرة منه، حين يصل الموت ذروة تشخيصه على مستوى الواقع ( موت عبد الحق-سليمان عميرات-محمد بوضياف-الطاهر جعوط...) وعلى مستوى تشخيص المكتوب أيضا (زياد-خالد بن طوبال-بطل رواية فوضى الحواس..) فإذا كانت الاغتيالات والسيارات المفخخة تحكم على أشخاص مثل (محمد بوضياف) و(سليمان عميرات) بالخروج من حياة واقعية. فإن قانون الكتابة يحكم على شخصيات خيالية بالخروج من حياة تقع في حدود المكتوب، ومثال ذلك الكلمات التي تنعي بها حياة بطل روايتها:
« هذا الكائن أعرفه عن ظهر قلب.فقد عشت معه أربع مائة صفحة وما يقارب الأربع
سنوات، ثم افترقنا.انتهى عمره مع آخر سطر وبدأ عمري دونه منذ ذلك الحين »
[29]

إذا فما علينا أن نميزه ونعيه هو أن هناك:
- موتا واقعيا يؤدي إلى الخروج من الحياة فنكون إزاء تشخيص للواقع. والموت على مستوى الواقع هو السبيل الوحيد لنحب الآخرين، حسب الحكمة التي يوجهها البطل لـ(حياة):
« لا يمكنك أن تحبي أي شخص حقا حتى يسكنك شعور عميق بأن الموت سيباغتك ويسرقه
منك»
[30]
- وموتا رمزيا يؤدي إلى موت على طريقة (عرائس الفيتش) *. والموت على مستوى المكتوب هو الحل الأخير للتحرر من الآخرين والشفاء من حبهم والانتهاء منهم.
يـحتفي المكتوب بموضوعة الموت على اعتبار أن الحياة رديفة للكتابة، وأن الصمت رديف للموت، ولعل الشخصيات التي تتحدث على مستوى المكتوب، وخاصة حين يسأل (البطل) (الكاتبة/حياة):
«هل لي أن أعرف إن كنت تنوين قتلي ؟ »
[31]
ورغم أن حياة تحاول أن تراوغه وتوهمه بأنه سيبقى حيًا حين تجيبه:
«- طبعا لا. أنت بالذات سأستميت في الإبقاء عليك حيا. ثم إن خالد لا يموت في
تلك الرواية»
[32]
فإن البطل يعي تماما أن الموت هو نهاية الكتاب، ونهاية دوره، ويدري جيدا أن (الكاتبة/حياة) ستبدع في طريقة قتله، ولذلك فهو يجيبها متقمصا دور خالد بن طوبال:
« أدري..يموت زياد، ولكني لا أرى حولي أحدا..أصدقائي جميعهم قتلوا..لقد حان
دوري»
[33]
إن لعبة الاختفاء وخروج الشخصيات من الواقع الروائي هي لعبة قديمة، ولكنها في الرواية الواقعية عادة ما تأتي (اختفاءً كتوماً) كما هو الحال في رواية (الأحمر والأسود) لستندال Standhal- و(السيدة بوفاري) لفلوبير Flaubert [34] أما في الروايات التي تحتفي بتشخيص المكتوب فالاختفاء عادة ما يكون صاخبا، ومثال ذلك سارد (لامييل-Lamiel) الذي يخرج جهارا من القصة:« وهكذا أيها القارئ الكريم فلن تسمع عني بعد الآن»[35]
ورواية فوضى الحواس من بين هذه الروايات التي تـختفي فيها الشخصيات بشكل يجترئ على قوانين الكتابة نفسها، وذلك حين يواجه البطل كاتبة تحترف القتل الرمزي:
«حياة..أجلي موتي قليلا..ولكن أحبيني وكأنني سأموت»
[36]
ويمضي السرد إلى السطور الأخيرة محتفيا بالكتابة وطقوسها على اعتبار أنها حياة ثانية وواقع مغاير، فنقرأ في السطور الأخيرة:
«أجل كانت تسعدني فكرة التخلص من ذلك الدفتر فقد أتعبني البقاء عاما على قيد
الكتابة بحجة أنها وسيلتي الوحيدة للبقاء على قيد الحياة وحب الحياة»
[37]
من هذا المنظور يمكننا أن نعتبر أن البقاء على قيد الكتابة وحب الكتابة هو مرادف للبقاء على قيد الحياة وحب الحياة.
ولنا أن نتخيل إلى أي حد هو مرهق وشاق البقاء على قيد الكتابة إذا تصورنا ما يمكن أن تحدثه الكتابة الجريئة والمغامرة من ملاحقات واتهامات وتبعات، وهو ما يجعل حياة تتخلص من الدفتر في مقطع أخير من الرواية، ونجدها تقول ما يؤكد قولنا:
« جميل كل ما يمكن أن يحدث بسبب كتاب يمكن أن نُكرم، يمكن أن نسجن، يمكن
أن نغتال، يمكن أن نُحب، يمكن أن نكره..يمكن أن نقدس، يمكن أن ننفى..فلا
يمكن أن نخرج بحكم البراءة من كتاب »
[38]

إن نهاية النص في فوضى الحواس هي بداية لنص آخر، ولئن كانت الكتابة لعنة وتهمة فإن عزم حياة يتجدد في العبارات الأخيرة على مواصلة الكتابة، ويؤشر على أن الحياة لا زالت مستمرة وأنها لا زالت على قيد الكتابة وفية لأقلامها ودفاترها.
« بدءًا كانت سماءً تجدد هيأتها بين فصلين وكاتبة تجدد حبرها بين كتابين »
[39]

[28] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص365
[29] نفسه. ص274
[30] نفسه. ص326
* عرائس الفيتش وهي دمى تصنعها الساحرات على هيئة ومواصفات أصحابها, ويصبح من حق الساحرة أن تقتل الدمى
بالطريقة التي تحلو لها معرضة أصحابها الحقيقيين لأي مكروه يمس الدمى.

[31] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص326
[32] الصفحة نفسها.
[33] الصفحة نفسها.
[34] جيرار جنيت -مرجع سابق. ص256
[35] Stendhal, "lamiel"(Paris:Divan,1984)P.43
[36] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص326
[37] نفسه. ص371
[38] نفسه. ص325
[39] نفسه. ص375


4- خلاصــة:

ليس من قبيل المصادفة أن تحتفي الروائية بتشخيص المكتوب لدى بداية ونهاية كل رواية، إذ لو لم يكن من هواجسها الروائية وخصوصياتها الإبداعية لما ظل سمة تسم إبداعها من بدايته إلى نهايته.
إن ما يوحي به الخطاب التمهيدي من أن النص يحفل بتشخيص المكتوب ويراهن عليه في تشكيل مادته وبنائه الداخلي تؤكده شواهد متعددة وحقول ملفوظية تغطي النص واشمة إبداع أحلام مستغانمي كله بهذه الخصوصية، ونذكر هنا بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر:
«..الكاتب إنسان يعيش على حافة الحقيقة ولكنه لا يحترفها بالضرورة، ذلك اختصاص المؤرخين لا غير..إنه في الحقيقة يحترف الحلم..أي يحترف نوعا من الكذب المهذب، والروائي الناجح هو رجل يكذب بصدق مدهش، أو هو كائن يقول أشياء حقيقية»
[40]
«..ففي النهاية ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات نكتبها خارج المناسبات المعلنة..لنعلن نشرتنا النفسية لمن يهمهم أمرنا»[41]
وتتواثر أمثلة متعددة بشكل يراهن على فاعلية القارئ ورغبته في التلقي، فالروائية تصارح القارئ بهواجسها الروائية على لسان السارد:
«وأنا التي كنت أحلم بكتابة كتاب واحد يمكنني بعده أن أموت (كاتبة). كتاب يتدخل في حياة القارئ حد منعه من النوم، وجعله يعيد النظر في حياته.. »
[42]
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد من قوة الكلام الحكمي، بل إن السارد يكشف عن كواليس اللـعبة السردية:
«.. وصلت إلى هذه الفكرة وأنا أتذكر ما قرأته عن الكاتب الأرجنتني بورخيس الذي أصبح أعمى تدريجيا، والذي كان عندما يصل إلى مكان يطلب من مرافقه أن يصف له لون الأريكة وشكل الطاولة فقط، أما الباقي فكان بالنسبة إليه مجرد أدب..أي بإمكانه أن يؤتثه في عتمته..كيفما يشاء. عندما تعمقت في منطقه اكتشفت أن كل رواية ليست سوى شقة مفروشة بأكاذيب الديكور الصغيرة وتفاصيله الخادعة، قصد إخفاء الحقيقة، تلك التي لا تتجاوز في كتاب مساحة أريكة وطاولة، نفرش حولها بيتا من الكلمات، منتقاة بنوايا تضليلية، حد اختيار لون السجاد ورسوم الستائر..وشكل المزهرية. ولذا تعلمت أن أحذر الروائييـن الذين يكثرون من التفاصيل: إنهم يخفون دائما أمرا ما ؟ تماما كما يحلو لي أن أتسلى بقراء يقعون في خدعتها بحيث لا ينتبهون لتلك الأريكة التي يجلسون فوقها طوال قراءتهم لذلك الكتاب متربعين على الحقيقة. منذ الأزل وأنا أبحث عن قارئ يتحداني ويدلني أين توجد (الطاولة) و(الأريكة) في كل كتاب؟. »
[43]

يتراكم هذا الخطاب بين الفينة والأخرى فالقارئ مستهدف طول الرواية بهدف المكاشفة والمباغتة وكأن ما يهم الكاتب/السارد هو أن يواجه ما لدى القارئ من رواسب، وما يترسب في ذهنه من خلفيات نصية*ولا سيما أن الخلفية النصية العربية خلفية هامدة وانفعالية سلبا، لذلك يبدو تجاوبها مع النصوص المكرورة مفعما بالترحاب والتصفيق
[44]
إذا فتشخيص المكتوب يحضر بهدف إضاءة القراءات المتعثرة وتصحيح مسارها من طرف سارد متعال يحرص على المكاشفة وإزاحة اللثام عن القراءات المسترسلة.
ثم إن تجلي هذه الحقول الملفوظية على السطح يمضي بنا إلى القول: إن خصوصية أحلام مستغانمي تتجلى في كونها تجسد وعي كتابة جديدة، نجحت إلى حد بعيد في خلخلة التشخيص التقليدي.
إنها تقنية استعادة الروائي لروابطه بالنص المحيط والأصوات الخارجية التي لولاها لما وجد هذا النص الإبداعي.
هذه النصوص المبثوثة على طول المتن الحكائي تعتبر فجوات تكسر حركية الحكي وتسلسله وهي « تمكن النص ككل من تدعيم عضويته وإيجاد سلطته الرمزية ضمن واقعية الرواية العربية الجديدة التي تميط اللثام عن قرون من الاسترسال والوحدة البلاغية التي لا تبلغ حدود تمويهها إلا لتتراجع منحسرة أمام واقع يتحرك ليتجاوزها»
[45]
إنها حرب تقنيات السيطرة على الواقع المتدفق المائج.
[40] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» ص128
[41] نفسه. ص11
[42] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص309
[43] نفسه- ص.ص95-96
* الخلفيات النصية: هي مجموع القيم البنيوية التي تتكون منها مجموعة من النصوص والتي بفعل التربية وعناصر التحكم الثقافي والفني في بنية سوسيو-تاريخية تأخذ فيها طابع الهيمنة . (سعيد يقطين"القراءة والتجربة" مرجع سبق ذكره – ص. ص87-88.)

[44] سعيد يقطين. «القراءة والتجربة » المرجع السابق. ص143
[45] سعيد علوش . مرجع سبق ذكره. ص85

التماهي الحكائي في ذاكرة الجسد وفوضى الحواس

التماهي الحكائي في روايتي أحلام مستغانمي:



إذا كانت تقنية تشخيص المكتوب قد أماطت اللثام عن قراءة مستلبة وأبانت عن وعي ثاقب بالكتابة من خلال إعادة ترتيب الكون الروائي على مستوى: الكتابة/القراءة، الإرسال/التلقي، الأدب/الواقع، فإن تقنية التماهي الحكائي التي سنعرض لها ستغوص بنا في عوالم السرد الداخلية مقتفية آثار السارد المتخفي، المتموقع، إذ أن التماهي الحكائي هو خاصية السرد المربك في روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس، فما هو أولا التماهي الحكائي؟ وما هي أوجه تجلياته في الخطاب الروائي عند أحلام مستغانمي؟ هل نحن بصدد الحكاية أم بصدد حكاية الحكاية؟
هل الإغراق في تقنية الإيهام واستدعاء عوالم متخيلة من شأنه أن يؤسس لحبكة جديدة أم أن لامركزية السرد لن تؤدي إلا إلى التعتيم والغموض؟ وأخيرا نتساءل: ما هي يا ترى حدود التماهي الحكائي؟

- تجليـات التمـاهي الحكـائي في روايتـي:
(ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس).



1-1- تحديد أولي:

لإزالة الإبهام حول التماهي باعتباره مصطلحا مراوغا ومخادعا يترك علامات الاستفهام لدى كل مجال يطرح فيه، نعرض أولا لما جاء في مادة- مها- من لسان العرب:
يقول ابن منظور: «المهو من السيوف الرقيق، والمهو اللبن الرقيق الكثير الماء، وأمها الحديدة: سقاها الماء وأحدها، قال امرؤ القيس:
راشه من ريش ناهضة ثم أمهاه على حجره
وأمهى النصل على السنان إذ أحده ورققه، قال ابن جني: وذلك لأنه أرق حتى صار كالماء، وثوب مهو رقيق شبه بالماء»
[1]
لقد ارتبط التماهي في لسان العرب بكل ما هو كثير الماء، وبكل رقيق شفيف، وهي دلالات وإن بعدت أو قربت عن الاستعمالات الحالية، فهي تدل على الحد الرقيق الفاصل بين حقيقتين، بحيث يسهل الوقوع في فخ الإيهام، وتلك كانت غاية الروائيين، إذ كيف يمكن تمويه قارئ فطن يعي تماما أن كل روائي يحلم أن يخلق عالما يتماهى معه القراء إلى الحد الذي يصبح معه المتخيل واقعا معاشا ويصدقه الجميع، فالروائي الناجح هو الذي يكذب بصدق.
إن تقنية التماهي الحكائي لعبة تقوم على الخداع والتخفي لأن« تمام الفن هو تمام المخادعة، وكماله هوكمال التوهم»
[2]
ويلتقي مفهوم« التماهي الحكائي في عمقه مع معنى التداعي في الأفكار والمشاعر، حيث ينهار بناء الحكاية الأصلية التقليدية ( نمو، انحدار، ثم نهاية مأساوية أو سعيدة) بحيث أن المؤلف يعي جيدا أهمية تداخل الحكاية التي يرويها بحكايات أخرى مندرجة في سياق الحكاية الأصلية، أو متناصة معها، وهذا ما يمكن اعتباره تأطيرا للحكاية»[3]
وفي كتابات أحلام مستغانمي فإن« الحدود بين الخطاب والنص لا تكاد تبين لضعف المسافة بين الراوي والكاتب ولهشاشة المسافة بين المسرود له والقارئ، وهذه الصفة نجدها بالأخص في الخطاب الشعري»[4]
ولكون المسافة بين المسرود له والقارئ ضيقة جدا، فإن القارئ يحس ذاته، ومنذ البداية محط استفزازات السارد/الكاتب.
سنحاول من خلال روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس رصد تقنية التماهي الحكائي على مستوى الحكاية، وذلك للوقوف على هذه التقنية أولا وملامستها والتعرف عليها عن كثب ولا سيما انها تقنية الإرباك والتعتيم والتشويش.

[1] ابن منظور «لسان العرب» المجلد الخامس عشر- (مادة مها)- بيروت. لبنان (دار الكتب العلمية) ص.ص154-155
[2] عبد الله أبو هيف «الاشتغال السردي ما بعد الحداثي في رواية (جمر القلب) »جريدة الأسبوع الأدبي- العدد846 تاريخ 04/01/2003 www.awu-dam.org/mainind.htm
[3] محمد معتصم « التماهي الحكائي» ضمن كتاب " الرواية المغربية .أسئلة الحداثة"-دار الثقافة. مختبر السرديات ص.ص
154-155
[4] سعيد يقطين. المرجع السابق . ص142

1-2- التماهي الحكائي في ذاكرة الجسد:

تحمل القصة عند أحلام مستغانمي فتنة جانحة إلى الإثارة والاستفزاز، بغية فتح أجواء كتابية جديدة وممتعة، وقد كانت تجربتها معهودة في الغالب ببهاء مدهش ومميز وفريد، إنها كتابة جديدة تتطلع إلى خلق عالم مناهض ساحر بمخيلته التعبيرية يجنح نحو تكسير حلم كتابي، تتخذ فيه القصة فضاءات طيفية مضاعفة.
في رواية ذاكرة الجسد تكتب "حياة/ أحلام" ( سنقف لاحقا على قضية ازدواج الاسم) روايتها (منعطف النسيان) لكي تحقق هدفا أساسيا هو قتل الأبطال في حياتها، وبذلك « ننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا على حياتنا، وكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم وامتلأنا بهواء نظيف»
[5] وهو هدف يتكرر كثيرا في النص فكل رواية « هي جريمة نرتكبها تجاه ذاكرة ما، وربما شخص ما، نقتله على مرأى الجميع بكاتم صمت ووحده يدري أن تلك الكلمة الرصاصة كانت موجهة إليه»[6] ووفق هذا المنظور فان ما يقوم به (خالد ) وهو يكثف (ذاكرة الجسد) هو قتل من نوع آخر، فالحب هو مشروع رواية بالنسبة لخالد، وحينما يخفق يحول المرأة إلى موضوع في لوحة أو موضوع حكائي في رواية، فالقتل الرمزي للآخر يتردد بوضوح حينا، وبإيحاء حينا آخر بسبب غياب الفعل الجسدي، وما إن تنتهي (أحلام / حياة ) من قتل خالد رمزيا، حتى نجده مستغرقا في ممارسة قتل مضاد، مرة يجد في "اللوحة "بديلا للمرأة «فجأة انتابتني رغبة جامحة للرسم، زوبعة شهوة الألوان تكاد توازي رغبتي الجنسية السابقة وتساويها عنفا وتطرفا. لم أعد في حاجة إلى امرأة شفيت من جسدي وانتقل الألم إلى أطراف أصابعي، في النهاية لم يكن السرير مساحة للذاتي، فيما أريد أن أصب لعنتي أبصق مرارة عمر من الخيبات »[7] ومرة أخرى يلجأ للبحت عن نساء أخريات يمارس من خلالهن فعل القتل، وذلك حين لا يتمكن من استعادة توازنه بالقتل الفني: « اخترتُ لي أكثر من عشيقة عابرة أَتَّـثْثُ سريري بالملذات الجنونية ...نساء كنت أدهشهن كنت كل مرة أكثر وأقتلك بهن كل مرة أكثر، حتى لم يبق شئ منك في النهاية »[8] وأخيرا حين يدرك تماما أنه لم يفلح في التخلص منها يكتب روايته ذاكرة الجسد ليقتلها متبعا الأسلوب نفسه الذي اتبعته معه «ستقولين لماذا كتبت هذا الكتاب سأجيبك أنني أستعير طقوسك في القتل فقط، وأنني قررت أن أدفنك في كتاب لا غير »[9]
تكتب (حياة/ أحلام ) كتابها من أجل النسيان ويكتب (خالد) من أجل الذاكرة، فثمة نزاع ضمني يلف النص من أوله إلى آخره معمقا من هوة التعارض بين الشخصيتين الرئيسيتين قي النص[10]
هذا بإيجاز غير مخل، التأطير الممنهج للحكاية في ذاكرة الجسد، وواضح أنه تأطير عالي التجريد ومتوغل في الخيال.
وفيما يلي سنحاول إيضاح شبكة السرد التي تبين العلاقة الإشكالية بين القارئ والكاتب /المرسل والمتلقي. هذه العلاقة المحكومة بخط رقيق لا يبين يجعل تداخل الواقعي والمتخيل أمرا وارداً، ينشط تقنية التماهي الحكائي داخل الرواية، والترسيمة التالية تحاول توضيح ذلك :

المستوى الأول:
المؤلف من لحم ودم - - - -- -\الرواية(ذاكرة الجسد)- - - - - -\المتلقي(قارئ من لحم ودم
É
المستوى الثاني: خالد/السارد - - -\المسرود(الخطاب الإنشائي)- --- -- - \(حياة/أحلام)المسرود له
É
المستوى الثالث: (حياة/أحلام) - -\المتن الغائب(منعطف النسيان)- -- - ----\قارئ من ورق.

أ_ المستوى الأول:
«باعتباره مرسلاً، يوجه المؤلف الواقعي، أي المبدع الحقيقي للعمل الأدبي رسالة أدبية إلى القارئ الواقعي الذي يعمل كمرسل إليه / متلقي»
[11]
فحتما هناك من يكتب الرواية، وكونها لا تتوالد ذاتيا يجعلها تابعة ومرتبطة دوما بالعالم الواقعي بحبل سرة. إن المستوى الأول، هو الأكثر ملامسة للأجواء الواقعية فهو يقع خارج أي سلطة تخييلية .

ب_ المستوى الثاني :
وهو فضاء تخييلي، يمثل البناء الداخلي للحكاية: «خالد / السارد (كائن ورقي يوجه خطابه إلى (حياة/ أحلام ) المسرود له (كائن ورقي) ».
إن السارد والمسرود له في هذا المستوى وإن تقمصا دوري الكاتب والقارئ فما ذلك إلا لتضييق الهوة بين الواقعي والمتخيل.
ثم إن وجود قارئ داخل القصة « يـجعلنا نبقى مبتعدين ونحن نوسطه دائما بيننا وبين السارد، فكلما كان مقام المتلقي شفافا كلما كان ذكره في الحكاية صامتا، وكلما كان تماهي كل قارئ مع المقام الضمني حقيقي كلما كان حلوله محله أكثر سهولة أو بعبارة أفضل:أكثر قهرا »
[12]

ج- المستوى الثالث:
وهو مستوى تحيل عليه القرائن، وذلك حين يتسنى للقارئ أن يعرف أن ذاكرة الجسد هي جواب على (منعطف النسيان )، بمعنى آخر فإن متخيل ذاكرة الجسد ينبني أساسا على متخيل غائب ومتوهم هو منعطف النسيان.
إنه المستوى الذي يدفع التماهي إلى أقصاه بحيث« تتخذ الرواية شكلا دائريا، يساعد المؤلفة على إحكام السيطرة على بنيتها وتحويل بؤرة الأحدات إلى العالم الداخلي، برغم اتساع وصخب العالم الخارجي المشدود دائما بخيوط غير مرئية إلى أعماق الراوي»
[13]
والتمويه في هذا المستوى يكمن في أن (حياة / أحلام ) الكائن الورقي، هي (كاتبة )في القصة، وخالد /السارد هو قارئ في القصة. و منعطف النسيان ترمي بظلالها كأي نص له امتداده في الواقع الحقيقي، والأغرب في التماهي الحكائي في ذاكرة الجسد أن الشخصيات لا تتبادل برقيات أو رسائل قصيرة، بل إن كل واحد يجيب بكتاب.
هذا التراشق بالكتابة من سمات الحبكة الجديدة عند أحلام مستغانمي، ومغزاه عميق فجل التصورات حول الإبداع « تلتقي في نقطة واحدة، هذه القصة، هده الشخصية، تلك الوضعية الحكائية أو العقدة الفلانية، لاحقتني وهيمنت علي كشئ أقوى مني، ونابع من شخصيتي، وقد كتبتها لأتحرر منها »
[14]
إن قوة التماهي الحكائي كخدعة متقنة الصنع، لم تكن لتنطلي على قارئ ذكي، مع أن التلاعب مقصود باسم حياة التي أراد أبوها (السي الطاهر) أن تسمى (بأحلام)وهو ما حصل[15].
إن القارئ إزاء إسم هو نفسه إسم المؤلفة، لن يملك في كثير من الأحيان إلا أن يتماهى حكائيا، ويصبح طرفا في الحكاية، وهو ما عبر عنه بوخريص بقوله: « إذا أمكن شخصيات متخيل أن تكون قراءً أو متفرجين، أمكننا- نحن- قراءها والمتفرجين عليها أن نكون شخصيات تخييلية »
[16].
ويرى (ج.جنيت) بـهذا الصدد أن المـثير والمقلق هو «الفرضية غير المقبولة، التي مفادها أن خارج القصة ربما هو قصصي دائما وسلفا، وأن السارد والمسرود لهم – أي أنا وأنت – ربما ينتمون إلى حكاية ما »
[17] . وكأن أحلام مستغانمي لم تسقط كل القراء في شبكة التماهي الحكائي، ولم تكمل مشروعها الرامي إلى تعزيز الروابط بين المحكي والواقع، لهذا سنرى في فوضى الحواس أنها ستعمق هذه التقنية بشكل أكثر إرباكا، مما يجعلنا نتساءل:هل نحن أمام رواية فوضى الحواس أم هي (فوضى الحكايات)؟.

[5] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» ص18
[6] الصفحة نفسها.
[7] نفسه.ص317
[8] نفسـه.ص235
[9] نفسـه. ص173
[10] عبد الله إبراهيم « الرواية النسائية العربية: تجليات الجسد والأنوثة»
www.abdallah-ibrahim.com/page2-1.htm
[11] جاب لنتفلت J.Lintvelt «مقتضيات النص السردي الأدبي» ضمن كتاب "طرائق تحليل السرد الأدبي.ترجمة: رشيد
بنحدو . مرجع سابق. ص88
[12] جيرار جنيت. المرجع السابق . ص268
[13] فريدة النقاش «قراءة نقدية في رواية (ذاكرة الجسد) » مجلة العربي. العدد457 – ديسمبر1996م-ص113-114
[14] رينه ماريا ريلكه/ماريو فارغاس يوصا «رسائل إلى شاعر ناشئ..روائي ناشئ» ترجمة أحمد المديني- سلسلة ضفاف5-
منشورات الزمن. ص69
[15] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» ص.ص.36-37
[16] لويس خورخيس بورخيص، قولة ذكرت عند: جيرار جنيت «خطاب الحكاية» مرجع سبق ذكره.ص247
[17] المرجع السابق. الصفحة نفسها.

1-3- التماهي الحكائي في فوضى الحواس:

إن ما يميز فوضى الحواس هو الحركة السردية البارعة وحيوية الشخصيات والإغراق في التخييل، فمن المفاجئ في السرد الحديت أن تنقلب الأدوار، بحيث تكون الشخصية الرئيسية في فوضى الحواس هي أحد قراء ذاكرة الجسد :
« برغم كل هذا، يبقى الأمر مربكا فأنا لا أريد أن أصدق أن ذلك الرجل الذي ما انفك مند ستة أشهر يقلب حياتي رأسا على عقب، هو (خالد بن طوبال )، ذلك الكائن الحبري الذي خلقته منذ عدة سنوات، ثم نسيته داخل كتاب، ألقيت به إلى جوف مطبعة كما نلقي بجتة إلى البحر بعد أن نثقلها بالصخور، لكي لا تعود إلى السطح، ولكنه عاد »
[18]
نحن إذا أمام قارئ يقع في حب حياة، و يتقمص شخصية خالد بطل ذاكرة الجسد، وهكذا ينشد المتلقي إلى الكيفية التي تنتظم فيها الأدوار، فثمة شخصية قرأت ذاكرة الجسد ورغبت إعجابا وتولهاً أن تقع في حب الكاتبة: « يوم التقيت بك أصبح عندي يقين بأن حياتي ستطابق بطريقة أو بأخرى، قصتك معي، حتى أنني خفتك. وكثيراً ما راودتني رغبة في عدم الاتصال بك..لو تدرين كم أحببتك.. وكم حقدت عليك بسبب كتاب »[19]
وعلى هذا النحو ينعطف السرد، ليُدخل المتلقي في مجاز طويل من الترقب والتخيل، إلى الحد الذي لا تتصور فيه (حياة) أن قارئا لكتابها الأول وقع في حبها :
« إذا كان من المعقول أن تحب كاتبا حتى تتوهم أنك بطل من أبطاله، فأين العجب في أن يحب كاتبا بطلا من أبطاله، حتى يتوهم بدوره أنه موجود في الحياة وأنه حتما سيلتقي بي يوما في مقهى »
[20]
بمعنى ما، فالحكاية تتجاوز راويتها، وتحيل على واقع روائي متحقق، هو ذاكرة الجسد. يأتي هذا التقاطع والامتداد بين روايتي ذاكرة الجسد و فوضى الحواس في إطار هم جماعي للبحت عن النص الكلي والمرتجى.[21]
إن كل قراءة مفترضة لرواية فوضى الحواس لا بد أن تأخذ في اعتبارها توازي هاتين التقنيتين، أي (التقاطع والامتداد ).
ونحاول من خلال الترسيمة التالية رصد مستويات المتخيل وتداخلاته التي مكنت من تجلي خصوصية التماهي الحكائي في الخطاب الروائي المستغانمي كسمة مميزة ومثيرة للانتباه:

متخيل1
(حياة)كائن ورقي تحكي:
متخيل2 (كائنات حبرية) تحكي:
متخيل3







إن شبكة التخييل هذه تضع القارئ في شرك الدهشة أولا، ثم التصديق ولإيمان بشرعية أحد مستويات التخييل، إننا لسنا أمام تقنية حكاية الأدراج بقدرما نحن أمام تقنية التماهي الحكائي، التي تقوم على الخرق والهتك، بحيث تتعمد جعل عملية التخييل عملية متداخلة يشارك فيها الجميع. بدءاً من الكاتب الحقيقي إلى الشخصيات الروائية، مرورا بالسارد الرئيسي، إضافة إلى القارئ الحقيقي، فالجميع بصدد إنتاج متخيل.
في البدء يبدع المؤلف الحقيقي (متخيل أول ). وهو الكون الروائي الذي يزج فيه بكائنات ورقية، تتولى (حياة) في هذا المتخيل عملية السرد، لِتَتَماهى بدورها مع المؤلف الحقيقي، بحيث تكتب مكتوبا يحيل على (متخيل ثان) قوامه كائنات حبرية ليست أقل إدراكا للعبة التخييل من(حياة)، بل ومن المؤلفة نفسها، وهي كائنات تقودنا في متاهات المتخيل إلى (متخيل ثالث). إذ أن البطل الذي هو من صنع (حياة) لا يكف عن سرد وقائعه ووقائع أصحابه وأحبائه.
هذه التخييلات، تفجر تساؤلات كبيرة وعميقة، فعندما تتسع فسحة التخييل تتواتر التساؤلات من غير رحمة وتتزاحم جميعها في ذاكرة القارئ، ربما من غير إجابات، وهذا أفضل ما تتسم به الرواية إذ شرعت امتدادات السؤال، وظنت بالجواب. فلقد وجد الفن الكتابي ليسأل لا ليجيب. ولعل اللغة الأجمل هي التي تلمِّح ولا تصرح. وفي تقنية التماهي لا توجد أجوبة حاسمة لأن الحكاية تقع في منطقة ملتبسة تتقاطع فيها الكتابة بالحياة، بحيث يفصل بينهما خط رفيع.
ويدرك القارئ مدى تماهيه مع الحكاية، حين تحكم الكلمات مزاجه، وتفجر في ذاكرته اعترافا صامتا اسمه الأشياء الحميمية.
[18] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص274
[19] نفسه. ص295
[20] نفسه. ص294
[21] عبد الرحيم العلام «رواية الأوهام وأوهام الرواية» منشورات جمعية الأعمال الاجتماعية لوزارة الشؤون الإدارية.الطبعة
الأولى -1997م . ص95

- وضعية السارد في روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس


1-2- مدخل نظري:

يعتبر السارد واحدا من أهم مقولات الخطاب الروائي الذي استأثرت باهتمام معظم الروائيين والمهتمين بقضايا الرواية وشعرية السرد.
وتكمن مركزية السارد في وضعه الاعتباري، الامتيازي، والإشكالي في آن: ذلك أنه من المتعذر تصور سرد دون سارد يمثل حلقة ربط بين المؤلف والقارئ ويشرف على تسييـر السرد ويمتلك سلطة تحوير الشكل الروائي نفسه.
[22]
فإذا كان التماهي الحكائي خاصية السرد المربك، فإن السارد بوصفه محور الحكي يتحمل النصيب الأوفر في هذه اللعبة السردية.
وقبل أن نستفيض في حديثنا عن السارد من الملائم تبديد سوء فهم متداول قوامه: إيجاد تماهي بين السارد راوي القصة والمؤلف كاتبها، وهو خطأ فادح، لأن« السارد كائن مصنوع من كلمات لا من لحم ودم كما هو شأن المؤلفين; السارد لا يعيش أكثر من مدى الرواية التي يروي، وخلالها فقط (إن حدود التخييل هي حدود وجوده) في حين أن للروائي حياة غنية ومتنوعة تسبق كتابة هذه الرواية وتتواصل بعدها، وحتى وقت يكتب الكاتب فالرواية لا تمتص معيشه كله»
[23]
السارد إنما هو شخصية مخلوقة، «كائن تخييل، شأن كل الشخصيات الأخرى التي يحكيها ولكنه أهم منها»[24]
إن السارد ليس هو المؤلف الواقعي، كما أنه ليس مجرد محفل تناط به لزوما وظيفة السرد، إنه بالأحرى وسيطا أو قناعا يبتدعه المؤلف، كيما ينخرط بكل حريته في سيرورة التواصل الرمزي مع القارئ، بعيدا عن إكراهات الذاتية وانزلاقاتها.
يتحدد الوضع الاعتباري للسارد بادئ ذي بدء بموقفه ووظيفته ضمن السرد، وبهويته كضمير وصوت.
تبدو الإمكانيات عديدة لكنها بصيغ عامة تختزل في ثلاث اختيارات:

السارد > الشخصية الروائية(الرؤية "من خلف"): هذه الصيغة هي التي يستعملها السرد الكلاسيكي، في أغلب الأحيان يكون السارد أكثر معرفة من الشخصية الروائية وهو لا ينشغل بأن يشرح لنا كيف اكتسب هذه المعرفة، باختصار فهو سارد عليم.

السارد= الشخصية الروائية(الرؤية"مع"): وفي هذه الحالة يعرف السارد بقدر ما تعرف الشخصية الروائية ولا يستطيع أن يمدنا بتفسير للأحداث قبل أن تتوصل إليه الشخصيات الروائية(...).

السارد< الشخصية (الرؤية"من الخارج"): وفي هذه الحالة الثالثة يعرف السارد أقل مما تعرف أي شخصية من الشخصيات الروائية، وقد يصف لنا مانراه وما نسمعه..الخ، لا أكثر، لكنه لا ينفذ إلى أعماقها. هذه" النـزعة الحسية" الخالصة التي لا تعدو أن تكون مواضعة، وذلك لأن سردا ينحصر في مثل هذا الوصف الحسي الخارجي غير معقول، ولكنه موجود كنموذج لضرب من ضروب الكتابة.
[25]

لا يخرج السرد عن هذه الحالات الثلاث، وعادة ما يختار المؤلف ساردا أحاديا أو متعددا، غفلا أو محددا، وقد يختار بين موقفين سردييـن، كأن يحكي القصة بلسان إحدى شخصياته.أو عن طريق سارد غير غريب عن تلك القصة.
في الحالة الأولى نكون إزاء سارد هو في الآن نفسه شخصية –مشارك في القصة- (مثلي القصة) أو جواني الحكي Hodiégétique. وفي الحالة الثانية أمام سارد- غير مشارك -(غيري القصة) أو براني الحكي Hétérodiégètique
[26]
في ضوء ما تقدم يمكن القول: إن السارد الجواني الحكي هو الشكل السردي المهيمن في روايتي أحلام مستغانمي.
ونظرا لخصوصية السرد وتماهي الحكاية في روايتي ذاكرة الجسد وفوضى الحواس نتجرأ على طرح أسئلة من قبيل:
من هو السارد ؟ هل يمتلك السارد فعلا، سلطة مطلقة للقول ومشروعا جماليا وإديولوجيا خاصا به، أم أن كل ذلك مجرد تمويه يلجأ إليه المؤلف لإخفاء تورطه في لعبة التخييل وتبرير ذلك؟
هل يمكن الاستغناء تماما -حين الحديث عن السارد ومرجعيته- عن المؤلف كمفهوم إجرائي، إن السارد حسبما يبدو عليه قد اتضح على حد تعبير (كايزرKayser) أنه قناع، ولكن من هو حامل هذا القناع؟
[27]
إن الخوض في قضايا السارد وعلاقته بالمؤلف في ضوء الأسئلة المثارة أعلاه يقتضي التذكير ببعض المعطيات النظرية الأساسية لاستجلاء طبيعة السارد/المؤلف، وخصوصيتهما في روايتي أحلام مستغانمي.


[22] Théodore Adorno "notes sur la littérature" traduit de l'allemand Par (Sibylle Muller) Paris.éd.Flammarion.1984.PP 37-38
[23] رينه ماريا ريلكه/ماريو فارغاس يوصا. مرجع سابق.ص90
[24] الصفحة نفسها
[25] تزفيطان تودوروف «مقولات السرد الأدبي» ضمن كتاب "طرائق تحليل السرد الأدبي" ترجمة: الحسين سحبان وفؤاد
صفا- مرجع سابق- ص.ص58-59
[26] جيرار جنيت. مرجع سابق. ص255. للتوسع أكثر:
Col.Pooétique) Paris.Seuil.1972.P 252-255-256 ) ِِِ"G.Genette "FiguresШ

[27] W.Kayser"Qui raconte le roman?" traduit de l'allemand par (Antonie
Marie.Buget) dans "Poétique du récit" Col.Points-Seuil1977.P76

-2- علاقة السارد/ المؤلف:

« لئن كانت البنيوية في تطبيقاتها الفلسفية والنقدية، قد همشت مقولات السياق والتاريخ والدلالة والذاتية، فإن الدراسات السردية والسيميائية أقصت، بتأثير من ذلك مفهوم المؤلف»
[28]
وقد استندت فكرة إقصاء المؤلف والاهتمام بالنص إلى مبررين وجيهين:[29]
- فالبنيويون لا يؤمنون بالتأويلات الإسقاطية التي تخلط بين ذاتية المؤلف وأفكاره
ونفسية شخصياته وأقوالها.
- ولا يعترفون بالمؤلف مصدرا وحيدا يحتكر دلالة (دلالات) العمل الأدبي.
يأخذ (سعيد يقطين) بتوجس شديد ما تقول به السرديات والسيميوطيقا السردية فيما يخص الراوي والكاتب: « وإذا كنت أرى أن أساس التمييز منهجي كما ينطلقون من ذلك، فإني أرى أيضا أن أساس المنهج يرمي إلى إقصاء الكاتب. لذلك يمكننا اعتبار الراوي مؤقتا قناعا للكاتب إلى حد ما. أو ذاتا ثانية للكاتب كما يقول(بوت Booth)»
[30]. إن فك الارتباط بين المؤلف بوصفه معطىً واقعيا وتاريخيا، والسارد باعتباره شخصية متخيلة أو « دورا يبتكره ويتبناه المؤلف»[31] ليس علامة قطعية نهائية بين هذين المحفلين المتلازمين الذين تتنوع أشكال علاقتهما وتتعقد بتنوع الشكل التعبيري نفسه وتعقده، فمن التطابق التام بين السارد و المؤلف في السيرة الذاتية، إلى التطابق الجزئي في الرواية السيرذاتية، إلى تشوش الحدود بينهما في الرواية، تظل علاقة السارد بالمؤلف قائمة وحيوية لإدراك العمل الأدبي في مختلف تقاطعاته ومظاهره الجمالية والتداولية والمؤسسية[32].
من هذا المنظور تتطلب العلاقة بين السارد والمؤلف إعادة التفكير في وضعهما الاعتباري، بعيدا عن التأويلات الاسقاطية والاختزالية والتجريدية التي تخلط بين المؤلف والسارد، أو تختزل هذا الأخير إلى مفهوم مغلق ومجرد لا تخصصه ذاتية أو سياق، لأجل ذلك يلزم برأي (كريزنسكيW.Krysinski) بناء (هيرمينوطيقا سياقية) تمزج بين الشكلانية و التأويلية « إن السارد من وجهة النظر هذه، علامة ورهان سارد آخر هو المؤلف الواقعي الذي ينتج فعليا السرد، ويعمد بمهمة استكماله إلى سارد ثان هو (السارد الظاهري) الذي ليس سوى (قناع لفظي) ومضاعف للمؤلف عينه بوصفه السارد الواقعي أو (السارد السيميائي) بتعبير كريزنسكي»
[33]
« إن السارد الواقعي أو السيميائي بوصفه الذات المكتشفة والمرسلة للعلامات، يتموضع بين الوعي الفردي والوعي الجماعي، بين رمزية الجماعة والواقع ورمزية اليوطوبيا»[34]
هذه بعض الاعتبارات النظرية التي يتسع القول فيها، وطبيعة السارد في روايتي (ذاكرة الجسد) و(فوضى الحواس) ستفرض الوقوف عندها كلما حققت خاصية التماهي الحكائي قدرة فائقة في تصديق العالم المروي، مثل ألحان لأوبرا يصعب عزلها عن آلات العزف أو المؤيدين لها.

[28] يوسف شكير «شعرية السرد الروائي عند إدوار الخراط» عالم الفكر.العدد2-المجلد30- أكتوبر/ديسمبر2001.
ص265
[29] الصفحة نفسها.
[30] سعيد يقطين. المرجع السابق.ص114
[31] W.Kayser.op-cit.P.P68-67
[32] يحسن الرجوع بهذا الصدد إلى دراسة (عبد الله ابراهيم) «السيرة الروائية: إشكالية النوع والتهجين السردي»:
www.abdallah-ibrahim.com/page2-1.htm

[33] عبد الحميد عقار« فلاديمير كريزنسكي.من أجل سيميائيات تعاقبية للرواية» ضمن كتاب "طرائق تحليل السرد الأدبي"
مرجع سبق ذكره. ص.ص214-215
[34] نفسه. ص212

نستطيع الحفر عميقا أكثر في نقطة السارد والتماهي الحكائي مع الواقع، وإن نحن أردنا الفحص الدقيق حاملين مجهرًا (وهي طريقة فظيعة وغير مقبولة لقراءة الرواية) فسنكتشف أن «تحولات السارد تحدث بصفة عامة وعلى امتداد فترات سردية طويلة، وهي قد تظهر سريعة ووجيزة جداً، مختصة ببعض الكلمات لا غير، حيث تلحظ تحول السارد في الفضاء، وهو تحول مرهف لا يمكن القبض عليه»[68]
فعلى سبيل المثال يوجد في كل حوار خال من تعييـن الضمائر تموقع وتغيير للسارد:
« - أحيانا أتمنى أن أشبهك
- وأنا أتمنى أن أشبهك..لقد باعدتنا الحياة أحيانا..ولكن لن يفرقنا
شيء..أليس كذلك؟ »
[69]
وينطبق الشيء ذاته على رواية ذاكرة الجسد:
« - كيف أنت؟
- أحاول أن أصمد
- تصمد في وجه من ؟
- في وجه الأيام... »
[70]
ومن البدهي أن هذه الحرية اللامحدودة للمؤلف في خلق سارده وتوفير قدرات له (تحريكه- إخفاؤه- إظهاره – تقريبه...) لا يمكن أن تكون تعسفية، إذ عليها أن تأتي مبررة حسب سلطان إقناع القصة التي ترويها الرواية. وإن كانت رواية فوضى الحواس تسهب أحيانا في تعويم الخيال إلى الحد الذي يجعلنا أمام فرجة مجانية لهيمنة السارد، فإننا نسجل للرواية تميزها على مستوى خطاب السارد الموسوم بشفافية التعابير اللصيقة بمهموسات الأنا والملامسة لهمهماتها الداخلية المقموعة والمكبوتة.
إنها رواية تطمح أن تنجح في « التدخل في حياة القارئ حد منعه من النوم»
[71] ومن ثم طموح السارد إلى تسريد العالم الواقعي، وحسب (كايزرKayser) : «ليس للروايات الحجم نفسه، ولا المظهر العام ذاته الذي تتوفر عليه المؤلفات العلمية أو كتب الدعاية»[72] .
[68] رينرماريا ريلكه/ماريا فارغاس يوصا.مرجع سابق. ص100
[69] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص208
[70] أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» ص274
[71] أحلام مستغانمي « فوضى الحواس» ص309
[72] W.Kayser.Op.cit.P111

خـاتـمة


إن ما لم نقله في هذا البحث يبقى أبلغ مما قيل، ذلك أن روايتي أحلام مستغانمي غنية بمعطيات فنية تحتاج إلى مزيد من الدراسة والكشف.
وقد حاولنا من خلال هذه الدراسة أن نؤكد أن نوع التشخيص يحدد أسلوب السرد، وأن صورة العالم المشخص تتصل اتصالاً وثيقا ببنية الشخوص والآليات المختلفة التي يستخدمها السارد في عرض مسروده.
إن للتشخيص في الرواية العربية الحديثة اتجاهات عديدة لم تكن متبلورة تبلوراً واضحا في النصف الأول من هذا القرن ولا في السنوات القليلة التي لحقته، ونحن إذ سعينا إلى رصد هذا التشخيص واحتفائه بالمكتوب فلكي نؤكد ثراء التجربة الروائية الحديثة وتنوع مسالكها.
يعطي تشخيص المكتوب للخطاب الروائي امتدادات أوسع، فالرواية لم تعد صورة فوتوغرافية يلتقطها المبدع للعالم الخارجي بقدر ما أصبحت مرايا مقعرة « متخذة من الروائي موضوعا للرواية، تعلن قطيعته (نسبيته) مع مبدأ (التمثيل) أو (التصويرLa représentation)، الذي يتحكم في علاقة الرواية بالواقع، وتؤسس ما يمكن وصفه بـ(التصوير الذاتيL'autoreprésentation) »
[1]
ولكي لا نكتفي بنعت هذا الاتجاه في الكتابة بـ(الواقعية الجديدة)أشرنا إلى أن من هموم هذه الكتابة ترقية القارئ إلى مرتبة المؤلف، ما دام فعل القراءة في الشعرية المعاصرة، كتابة جديدة للنص، فعلى امتداد صفحات الروايتين ترتسم صورة القارئ كسلطة رمزية يعترف بها المؤلف نفسه.
لقد اقترن تجاوز التشخيص التقليدي بنزعة تجديدية تراهن على محو الحدود بين الواقعي والمتخيل.
وقد حاولنا رصد فضاءات الحكاية، مفصلين القول في تقنية التماهي الحكائي لنرصد تنامي الحلم الكتابي عند أحلام مستغانمي الذي ينفتح على متخيل يحاول أن يجد سلطته في العالم الواقعي نفسه.
ومن ثم فإن خصوصية الحكاية في ذاكرة الجسد و فوضى الحواس تكمن في قدرتهما الفائقة على جعل القارئ يندغم في مستوى تخييلي عال.
وقد خصصنا للسارد مبحثا خاصا اعتبارا لقيمته في المضمار السردي، وانتهينا إلى أن المسافة بين السارد والكاتب هي مسافة واهنة جدا، فكل ما يلقيه السارد من سرد يبدو مرسله واحداً يعبر عن صوت الكاتب.
كما تبين لنا أيضا ضعف المسافة بين المسرود له والقارئ، وهذه الصفة نجدها بالأخص في الخطاب الشعري.
إن شفافية الخطاب تقوم على تذويب المسافات بين المحافل السردية (الكاتب والسارد والقارئ والمسرودله...) وهذا من شأنه أن يضعنا أمام نص يتداخل فيه الواقعي والمتخيل بشكل يراهن على فعالية القارئ وقدرته على التخييل.
كل هذا يجعلنا نرى أن إبداعا بهذه المقومات التخييلية له القدرة على الانفلات دائما من الشباك الأكثر علوا للبحث النقدي، بيد أن النقد وحده، وحتى حين يكون متينا وكاملا لا يستطيع استنفاد ظاهرة الإبداع وشرحها في كليتها.
إننا لا نتخذ هذا الرأي ذريعة لتبرير الأخطاء التي وقع فيها هذا البحث، فطموحاتنا كانت أكبر مما وقفنا عنده.
وختاما نأمل أن تضئ هذه الاستنتاجات التي توصلنا إليها الطريق أمام أي قارئ يهمه أن لا يقف عند الحدود السطحية لفهم النص، مؤكدين عزمنا على متابعة البحث من أجل تعميق هذه الدراسة مستقبلا.
[1] رشيد بنحدو «حين تفكر الرواية في الروائي» مرجع سابق. ص43


بـيبليوغرافيـا
1- مصـادر:

ü بن منظور «لسان العرب» المجلد الخامس عشر- (مادة مها)- بيروت. لبنان (دار الكتب العلمية)
ü مستغانمي أحلام «ذاكرة الجسد» بيروت-دار الآداب-الطبعة السادسة 1998م
ü مستغانمي أحلام «فوضى الحواس» دار الآداب-بيروت-الطبعة11-2001م
ü المديني أحمد «وردة للوقت المغربي» بيروت (دار الكلمة) ط2- 1983 م.
ü منيف عبد الرحمن «الأشجار واغتيال مرزوق»- المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 1987

Segal Erich "love Story" London .Panguimbooks- Segal -
Stendhal, "lamiel"(Paris: Divan, 1984) _

2-مراجـع:
بالـعربيــة
أ-الدراسات:

ü باختين ميخائيل «الخطاب الروائي» ترجمة وتقديم محمد برادة-الرباط-دار الأمان-1987
ü بنكراد سعيد: «شخصيات النص السردي-البناء الثقافي» مكناس: كلية الآداب.1994
- «النص السردي نحو سيميائيات للإديولوجيا» الرباط-دار الأمان- الطبعة الأولى1996.
ü جنيت جيرار « خطاب الحكاية» ترجمة: عمر حلي-محمد معتصم-عبد الجليل الأزدي- الدار البيضاء مطبعة
النجاح الجديدة-ط1 -1996
ü الحمداني حميد «بنية النص السردي» بيروت. المركز الثقافي العربي.الطبعة الثانية 1993.
ü مجموعة من الباحثيـن. « الرواية المغربية.أسئلة الحداثة»دار الثقافة.مختبرالسرديات.
ü مجموعة من الباحثين «طرائق تحليل السرد الأدبي». منشورات اتحاد كتاب المغرب.
ü العلام عبد الرحيم «رواية الأوهام وأوهام الرواية» منشورات جمعية الأعمال الاجتماعية لوزارة الشؤون
الإدارية. الطبعة الأولى-1997م.
ü علوش سعيد: «عنف المتخيل الروائي في أعمال إميل حبيبي» مركز الإنماء القومي.
ü العيد يمنى « فن الرواية العربية بين خصوصية الحكاية وتميز الخطاب» بيروت. دار الآداب.الطبعة الأولى1998م
ü يقطين سعيد: « القراءة والتجربة.حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب».سلسلة الدراسات النقدية4.
البيضاء-دار الثقافة- الطبعة الأولى 1985.
-« انفتاح النص الروائي»-المركز الثقافي العربي-الطبعة الثانية2001.

ب-المجلات والدوريات:

ü بنحدو رشيد «حين تفكر الرواية في الروائي» مجلة الفكر العربي المعاصر67-68 يونيو/غشت- يروت/باريس-
مركز الإنماء القومي1989
ü ريلكه رينه ماريا / يوصا ماريو فارغاس "رسائل إلى شاعر ناشئ..روائي ناشئ» ترجمة أحمد المديني- سلسلة
ضفاف5- منشورات الزمن
ü مرتاض عبد المالك «في نظرية الرواية» عالم المعرفة 240-الكويت- المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-
ديسمبر1998.
ü نديندا جوزيف «الكتابة والخطاب النسائيين بالكاميرون» ترجمة:دامية نخونيا-مجلة نوافذ- العدد11-جدة-
مارس2000.
ü النقاش فريدة «قراءة نقدية في رواية ذاكرة الجسد» العربي.العدد457. ديسمبر1996.
ü الصايغ وجدان عبد الإله «سلطة النص الآخر في الخطاب الروائي لأحلام مستغانمي» مجلة ثقافات الصادرة عن
كلية الآداب-جامعة البحرين.العدد2-ربيع2002
ü شكير يوسف «شعرية السرد الروائي عند إدوار الخراط» عالم الفكر.العدد2-المجلد30-أكتوبر/ديسمبر2001.
ج-مواقع الأنترنيت:
ü إبراهيم عبد الله «الرواية النسائية العربية, تجليات الجسد والأنوثة»
www.abdallah-ibrahim.com/page2-1.htm
ü إبراهيم عبد الله « السيرة الروائية: إشكالية النوع والتهجين»
www.abdallah-ibrahim.com/page2-1.htm
ü أبوهـيف عبد الله « الاشتغال السردي ما بعد الحداثي في رواية (جمر القلب) » جريدة الأسبوع الأدبي-
العدد846- تاريخ04/01/2003 htm.www.awu-dam.org/mainindx
ü أحلام مستغانمي «ندوة المرأة والكتابة في مهرجان الرباط الدولي-يونيو2000» مجلة أفق- العدد01- السنة
الأولى.
www.ofouq.com
ü الباردي محمد « إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة» من منشورات اتحاد الكتاب العرب.دمشق.
www.awu-dam.org/book
ü لبابيدي سوسن « ماذا بعد أن صارت الحواس فوضى؟ » مجلة الموقف الأدبي(تصدر عن اتحاد الكتاب العرب
بدمشق) العدد382-السنة32-شباط2003
www.awu-dam.org/mokifadaby
ü عامر مخلوف « الرواية والتحولات في الجزائر- دراسة نقدية في مضمون الرواية المكتوبة بالعربية» من منشورات
اتحاد الكتاب العرب بدمشق
www.awu-dam.org/book
ü « قضية أحلام مستغانمي» مجلة الأفق. العدد01-السنة الأولى-سبتمبر2000. www.ofouq.com
ü موقع أحلام مستغانمي: www.ahlammosteghanemi.com

بـالأجنبيــة:

- Adorno Théodore "notes sur la littérature" traduit de l'allemand par (Sibylle Muller)
Paris.éd.Flammarion.1984
- Maingueneau Dominic " Initiation aux méthodes de l'analyse du discours" Paris-
Hachett-1976
- Kayser Wolfgang"Qui raconte le roman?" traduit de l'allemand par (Antonie-
Marie.Buget) dans "Poétique du récit" Col.Points-Seuil1977
- krysinski Wladimir "Carrfours de Signes" Paris-ed.Mouton-1981
- Genette Gérard "Figures Ш"Col.poétique.Paris Seuil. 1972





ليست هناك تعليقات: