السبت، 18 يوليوز 2009

ثقل الفراشة فوق سطح الجرس



النص المينيمالي المضغوط في

ثقل الفراشة فوق سطح الجرس


قصص مينيمالية لأنيس الرافعي

بدءا من العنوان نحن أمام لوحة قد تبدو سريالية " ثقل الفراشة فوق سطح الجرس"
لكن الشاهد الراصد على مدخل المينيماليات سيبدد الكثير من الغموض ويجعل رؤيتنا تنفتح كزهرة لوتس على بديهيات مدهشة
جاء في الصفحة التاسعة بعد الاهداء:

-تروي احدى حكايات الزن او مدهب اللاشيء ان جرس معبد يبلغ وزنه عشرة أطنان كان يحتاج إلى قوة مائة رجل لتحريكه عند حلول ساعة الصلاة. غير أن أحد الرهبان البوذيين ممن نذروا بصيرتهم للتأمل على طريقة المعلم كوشو الذي كان يجلس بصمت لا يفعل شيئا لان الربيع آت، والعشب ينمو بمفرده. لاحظ احدى فراشات الليل المضيئة لما كانت تحط فوق سطح الجرس يشرع في الحرك بنفس قوة مائة رجل، عندها تم اكتشاف مبدأ ثقل الخفة-

بنفس المبدأ تحدث القصص المينيمالية بمبدأ ثقل الخفة..قصص قصيرة خفيفة لكنها تحمل حمولة كبيرة، وهي أحيانا أشبه بحزم ديناميتية. تساءلت ما الذي يجعل هذه القصص تحدث بهذا الشكل، تبدو مسالمة مرابضة ملونة كفقاعات أكواريوم تبهج العالم، لكنها حد بداهتها، حد غرابتها. تسابق حروفها لتثبت جدارتها وأحقيتها بالسباحة في ماء الجمجمة لمدة طويلة..

إن كل مهتم بالقصة وتجنيساتها سيحيره توصيف القصص بالمينيمالية ولكن بالعودة الى ما يشبه التقديم أو يشبه بيان الكتابة: -تقديم يمكن للمرء أن يقرأه كقصة مينيمالية أو قصة مينيمالية يمكن للمرأ أن يقرأها كتقديم - ص11
نقرأ :
فانبروا إلى تأليف قصص مينيمالية على الورق بتقتير شديد ، وعكفوا على حشوها داخل أرحام بعضها البعض ،كما كتبوا بأقلام الحبر الجاف قصصا قصيرة مستحدثة شيمتها في كل مرة الحدود الدنيا والأخف من السرد، ثم بجرة ممحاة أرسلوا القديمة
إلى الهباء "
ص15
في اعتقادي هو تصور للكتابة ينطلق من كون القصة يجب أن تغزو العالم مثل الصورة،بغزارتها، بانتشارها لكن مع اختلاف التأثير..

في اعتقادي أيضا أن أكثر ما يميز هذا السرب القصصي ، الذي يظهر في وداعة النوارس، ويهاجمك بشراسة النسور الجائعة، أكثر ما يميز هذا السرد هو قصدية الكاتب أن يجعل نصوصه مضاعفة مكثفة، مضغوطة، لذلك يقول القاص الجميل "حسن القالي": أن القارئ سيجد نفسه أمام 34 قرصا مضغوطا من الأدب الرفيع
وتكمن قدرة الكاتب أنيس الرافعي في مضاعفة هذه العوالم في كونه أولا يعتمد على لغة مشحونة تنحفر ولا تكتب، تتغلغل ولا توضع على الشفاه عابرة..هو مثل الذي يمسك بناصية الكلام فيطوعه ببلاغة ليرمي بالحرف عميقا في جب المعنى..
من جهة أخرى لا يتقيد أنيس الرافعي بلوازم الحكاية ولا ينشغل بالايهام بحقيقتها أو واقعيتها، إذ هو يجعل من النص مرآة للتأمل وللتدفق بسيولة في أتون العالم..وهو ما يجعله يتموقع في عوالم جميلة بين الواقع والحلم والكتابة ، بين الصورة وانعكاسها وانعكاس الانعكاس .

في قصة رعاية، بعد أن يستعرض تصرفات الشخصية المحورية، لا يجد حرجا في نهاية المطاف من القول: "كل شيء على ما يرام، ارتاح، رسم على شفتيه ابتسامة ضيقة بحجم السكن الاقتصادي، ثم التحق بمكانه داخل ألبوم صور العائلة" ص32

لقد أن الاوان لتوديع القصة التي لا تضيف إلا متعة عابرة وتسلية ولذة تختفي مع ابتلاع الحرف الأخير، لقد أصبح هاجس القصة اليوم وشم الفكرة ، كهربة السؤال المحنط.




فيما يشبه البيان يرى الرافعي أن القصص المينيمالية هي تسوناميات..
سنجد في قصة "محو" ما يربك القارئ الكلاسيكي ويجعل قارئا متذاكيا يرتج عليه
في القصة رجل يضع كتاباً في آلة التصبين، على أمل أن ينام بلا كوابيس مُستمدة من قراءاته فيها، ربّما لأنّها تنضوي على المرعب، وعندما لا يكون ثمة جدوى يُعيد الكتاب إلى رفّه، ويلقي بنفسه في أحضان آلة التصبين تلك!

وفي قصة كريشنا
يريد للنص أن يكون عتبة لنص تراثي مفتوح، هو نص الثقافة الهندوسية التي يقوم أسها الأول على الاعتقاد بتناسخ الأرواح. وما يهم الكاتب في هذا المعتقد هو الفكرة المثيرة لشلال التساؤلات، والتي تحضر بنفس سردي يعلق الحاجبين في مشجب الدهشة.

وحتى نقترب بشكل مباشر أقترح عليكم قراءة هذا النص، وحذاري أن يحدث الاصطدام فهي قصص لا تقرأ بل قد يحدث أن ترتطم بك، تصفعك ، تلوي عنقك، أو قد يحدث عناق حار






ثـــــــغرات


رﺄيتهم عندما اندفعوا بعصيهم كالمسعورين من غرفتهم الضيقة،ودشنوا

مطاردة الجرذ المذعور. شكلوا مايشبه الدائرة،وﺄحكموا عليه الخناق كما يتوجب الخناق أن يحكم عليه.غير أن غريزة البقاء قادت الجرذ بسرعة

خاطفة إلى خلق فجوة مستحيلة عبر الدائرة،ليلتحق بأشباهه من القوارض

داخل عقر الجحر.

تكاثر الصياح وتناوبت العصي بلا كلل على فم الحفرة السوداء،فلجأت الجرذان الممسوسة بالهلع إلى شبك أذيالها حول بعضها في بعضها إلى بعضها على شكل عقدة غير قابلة للفك.وكلما ارتفعت وثيرة الأصوات الزاعقة والنخس المبرح،اندفع الواحد منها من ناحيته وهو يجر و يزيد

الجر في جميع الاتجاهات إلى أن تمزع لحم الأجساد الضئيلة القذرة،

وتلطخ مدخل الجحر بالدماء.

تلك الليلة،رﺄيتهم - أيضا وللمرة الثانية- في حلمي داخل غرفتهم الضيقة،وقد نبتت على أجسادهم الآدمية أذيال قصيرة،شبكوها في هلع حول/في/إلى بعضها على شكل عقدة غير قابلة للفك،ولم يتوقف الجر

الجر الجر الجر الجر في جميع الاتجاهات.

وعندما أيقظتني الوالدة في صباح اليوم التالي،وجدت صعوبة بالغة في أن أفسر لها مايلي:

ﺄ/ العصا التي وجدتها مدسوسة بين شراشف السرير!

ﺐ/ الأصوات الزاعقة التي كانت تصدر ليلا من غرفة نومي!

ﺝ/ فمي المليء بدماء مجهولة المصدر!.
أنيس الرافعي

الأحد، 5 يوليوز 2009

الحلقة الأولى من -عين على القصة- مع عبد الحميد الغرباوي

أولا

الأصدقاء الأعزاء

أزف إليكم الحلقة الأولى من "عين على القصة" المشروع الأدبي/الصحفي الذي أشتغل عليه هذه الأيام.
المشروع بالمختصر المفيد هو اختيارات من القصة من ذائقتي، لم أخترها إلا بعد بحث وتمحيص. عسى أن تنال إعجابكم كما نالت إعجابي. لا يقتصر الأمر على روزنامة اختيارات فحسب، بل أجدني في كل قصة أحاور صاحبها حول القصة نفسها.
أطرح القصة والحوار هنا بعد أن نشرت
ا بجريدة عيون الجنوب. لأترك للقارئ التعرف عن القصة وكاتبها عن قرب. ويسرني أن تطرحوا أسئلة أخرى لم أطرحها على الكاتب، لأنه حتى وإن لم يجب مباشرة فإني سأسعى إلى نقل إجاباته قدر الامكان هنا. كما يهمني رأيكم في هذه القصة وهذا القاص.
لأني أعتبرها قصة/قاص تحت الزوووم.


عين على القصة



-الحلقة الأولى- عبد الحميد الغرباوي

إعداد وتقديم: شكيب أريج


سنحرص في هذا الباب أن نقدم للقارئ مختارات من القصة، يحدونا الأمل في تقريب القصة وكاتبها من القارئ من خلال دردشة قصيرة. عين على القصة بمثابة الزووم الذي يقربنا من الكاتب وكواليس الكتابة، لنطلع عن قرب ومن داخل مطبخ الإبداع على أمزجة الكتاب وخيالاتهم ورؤاهم ولنورط أكبر قدر من الكتاب في لعبة التلقي. حيث يجلس بالقرب منا ويفتح ذائقته القصصية على مصراعيها.


الجعبتان


أقبلا..

كل واحد من الاتجاه المقابل للآخر..

وكل واحد يحمل جرابا...

قال أحدهما:

"لعل القادم يتضور جوعا..."

وأدخل يده في الجراب...

رآه الآخر، قال:

"لعل القادم عدو يتهيأ لتصفيتي.."

وأدخل يده في الجراب...

اقتربا..

أخرج كل واحد يده...

كانت الرصاصة أسرع من كسرة الخبز...

عبد الحميد الغرباوي- (أكواريوم)- مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب-ص25-26



هل يأكل كاتب القصة العالم بعينيه؟



عبد الحميد الغرباوي يعد قراءه بمجموعة جديدة

أفكر في عدم العودة إلى القصة القصيرة جدا


1- لاحظت أنك في أكثر من قصة تعتمد على ثنائية التقابل. ما السبب احترافية في السرد أم تنويع أم ماذا؟


· ليس في الأمر احترافية، و أيضا لا يعود السبب إلى الرغبة في التنويع... لكن عوامل مختلفة تجتمع مع بعضها لتقرر الشكلَ الذي وجب أن يكون عليه النص...

أنا لا أقرر، و لا أحدد شكلا، أنا حامل فكرة، و لحظة استعدادها للخروج إلى الوجود تخرج كوليد من رحم لست أنا صاحبه بالضرورة...كما لو أني مجرد منفذ لأوامر تأتيني من حيث لا أدري...


2- يقول الناقد عبد العاطي الزياني في كتابه "المكروتخييل في القصة القصيرة جدا بالمغرب": كاتب القصة القصيرة جدا يتوسل حاسة الإبصار: إذ يأكل العالم بعينيه" (ص17)هل تأكل أنت العالم بعينيك وأنت تكتب؟ وفي نظرك هل تعول القصة القصيرة جدا على الإمكانات البصرية والسينمائية؟

أليس هو الذي يأكلني بعيونه و بأضراسه و يمزقني بمخالبه !؟...


تساؤل محير و مربك ...

لكني أكاد ،في مواجهة العالم ،أشبه كائنا صغيرا في حجم حبة عدس ، و لأن صور العالم لا تتسع لها حدقتا عيني، و تتجاوز مساحة الإبصار لدي فإني أقضم منه قضمات في توجس و حذر، قضمات لا أمضغها و أبلعها بل أكتفي بلفظها أمامي على الطاولة أتأملها برهة قبل الشروع في الكتابة عنها...

أكيد أن إتقان المهارة البصرية، شرط أساس لاستلهام الفكرة ولكتابة القصة بنوعيها القصير و القصير جدا... بما فيها تقنيات السينما...


3- ماذا تقول في جملة قصيرة جدا عن تجربتك في كتابة القصة القصيرة جدا؟


هي تجربة ليست، على كل حال، جديدة علي فلعلي من بين الكتاب الذين كتبوها دون أن يضعوها في خانة القص القصير جدا، وكنت أعرف أنها أقصر من القصيرة...

و اليوم يروج حديث حول صحة التسمية لغةً، إذ يرى لغويون أن ( جدا ) خطأ يجب تداركه و تصحيحه... و ردا على سؤالك، أقول إني استمتعت كثيرا بخوض غمار هذا الحكي الجميل و الصعب...و لو أني أفكر في عدم العودة إليه بعد أن أصدر مجموعة هي الآن قيد الإنجاز.

عبد الحميد الغرباوي- من مواليد 1952 بالبيضاء- كاتب وقاص مغربي- عضو اتحاد كتاب المغرب-له تسع مجاميع قصصية آخرها (أكواريوم)- له إصدارات أخرى في الرواية والترجمة واللغة.