الخميس، 20 غشت 2009

عين على القصة- صبري رسول- اخترت لكم قصة هدية إيفا- الحلقة الثانية


عين على القصة

-الحلقة الثانية- صبري رسول


إعداد وتقديم: شكيب أريج

سنحرص في هذا الباب أن نقدم للقارئ مختارات من القصة، يحدونا الأمل في تقريب القصة وكاتبها من القارئ من خلال دردشة قصيرة. عين على القصة بمثابة الزووم الذي يقربنا من الكاتب وكواليس الكتابة، لنطلع عن قرب ومن داخل مطبخ الإبداع على أمزجة الكتاب وخيالاتهم ورؤاهم ولنورط أكبر قدر من الكتاب في لعبة التلقي. حيث يجلس بالقرب منا ويفتح ذائقته القصصية على مصراعيها.

قصة:
هديَّة إيفا

صبري رسول

وضعتَ حقائِـبكَ المتعبةَ على مصطبةِ المدخلِ، تنفسْتَ الصعداءَ، خفتَ لهاثُك قليلاً نظرْتَ إلى الأفقِ الرَّماديّ وراءَ سهولِ " ملامرس "(1) حيثُ كلُّ شيءٍ يتلاشَى هناك. فتوغّلتِ المسافاتُ في داخلِك.
لم يتغيرْ شيءٌ في هذه القريةِ منذُ رحيلِكَ، فهي تستظلُّ بأشجارِ الحورِ والتُّوِت وتتكئُ على تلةٍ تخبئُ كنزاً من المالِ والحكاياتِ وتميلُ إلى السَّكينةِ والرّكودِ حتى يَخْدُش َ رقادَها ضجيجُ الصَّيفِ اللاهبِ.
وضعتَ سبابتَكَ على الزِّر الباردِ المسقوفِ جانبَ البابِ ولم تنتظرْ فتحَهَ، بل شرعتَ تفتحُ إحدى الحقائبِ، وقلبْتَ محتوياتِها، أخرجْتَ علبةً فيها شيءٌ من قلبِك وتعبِكَ، ومجسمًا مكسواً بالوبرِ النَّاعمِ، تظنُّ أنّه "بسو"(2) بذاته وأغلقْتَها دونَ ترتيبِ فوضَى محتوياتِها، فالفوضَى تلاحقُكَ أينما كنْتَ، وكثيراً ما تدفعُ فاتورةَ فوضى غيرِك، ويحمِّلونَك ثمنَ أخطائِهم وفوضاهم أكثرَ المراتِ، وورثْتَ من فوضَى قريتِك ما يكفيك طوالَ حياتِكَ.
هذه الهدايا لها. قلتَ ذلك في نفسِك : إنَّني وعدْتُها بالهدايا الثَّمينةِ ،لكن هل ستفرحُ بهذه ؟ وكم يكونُ حجمُ فرحتِها يا تُرى ؟وقلبْتَ المجسمَ بينَ يديك.

كانَتْ في عامِها الثَّالث عندَما كنْتَ تعدّها أجملَ لوحةٍ أنجبَتْها صفحةُ أريافِك العذراءُ، وإحدى المفرداتِ الَّتي تشعُّ حياتك الشَّخصية وتردّدُ صدَى البيادرِ الملأى بالأغنياتِ والمسلوبةِ دائِما.
أضافَتْ بريقاً خاصاً لأيامِك الباهتة، وغيَّرَتْ روتينَ نومِكَ ويقظتكَ الكالحَ.
كلّما كانَتْ "تكاغي" حروفاً أو كلماتٍ مبهمةً كنتَ تشعرُ أنَّ الحياةَ تتكثَّفُ في صوتِها. إنَّها تبتسمُ ورداً ومطراً يغمرُ جسدَ القريةِ، وينعشُ أملَك المصاحب للمستحيلِ في الحياةِ، وتبكي شعراً.
تخطَّتْ مرحلةَ الحبوِ بسرعةٍ ، وكأنّ مخلوقاتٍ غيرُ مرئيةٍ تمسكُ بها، وتجرُّها في الرَّكضِ والشَّغب، وقلَّبتْ أجواءَك الخاصَّة إلى فوضى لا مثيل لها، تعبثُ بكلِّ شيءٍ، وأصبحْتَ خـادماً مطيعاً لأوامرِها. تعبثُ بأشيائِكَ كمَا يحلو لها، وكلَّما جئْتَ إلى البيت أتَتْكَ معانقةً، تلفُّ عنقَكَ بيدِها الصَّغـيرةِ البضَّة قائلة: ((وينك بابا؟ لا تروح ثاني مرة، أو خـذْني معَك))
- خلاص، لن أخرجَ إلا وأنتِ على كتفِي.
- ولنأخذْ (بسو) معنا، فأنا أحبُّها ولن نجدَ قطةً جميلةً مثلَها، ثمَّ تجرِي وراءَ (بسو) إلى أن تُمسِكها من رقبتِها قائلةً: لن أتركَها إنَّها وحيدة. هكذا تجعل من حبِّها لشيءٍ ما، قاعدةً علينا الإلتزامُ بها.
كانَتْ (إيفوشكا)(3) تسرقُ جلّ وقتِكَ، تنصحُكَ أكثرَ مما تنصحُها، تعلِّمكَ قواعدَ الحياةِ بطريقتها الخاصة، وبمفهومها لها.
طويْتَ عاماً كاملاً في غيابكَ، واكتفيتَ في هذه المدة بالرسائل، تجنبتَ الاتصالات التليفونية، لأنك ستبكي في سرِّكَ عقب كل اتصال، وتلوذُ إلى البكاء العميق كلّما تذكرتَ أمك، كنتَ لا تترك طرفَ ثوبها طوال النهار، وما زلتَ ذلك الطفل " الـمَرْيـَلي " .
قلبتَ أسواق الطائف المهجور كلها، باحثاً عن أشياء لصغيرتك الجميلة، فعيونها الشَّبيه بخريطة الألوان في سهول قريتك جديرة بأن تضحك للشمس، وفيها تكمن الفصول الحزينة لحياة الفلاحين، لكنك لم تعثر على ما يليق بها، ولم تستهوِكَ حركة الألعاب في محلاتها، وكم يلفتُ نظرَك أطفالُ المدينة الأصليون، حيث أنك تكنّ لهم ولألعابهم شعوراً ينم عن ألفة إنسانية تغذيها غريزة البقاء الإنساني .
واخترتَ من دمشق هذا المجسم الصَّغير وذلك القلب الذهبي الصغير.
إيفوشكا شجرة زيتون صغيرة، وهي مشتعلة كدمّك، حروفها تضيء ذاكرة ينابيع القرية، وفي عينيها ينساب جمال مزارعها وسهولها الغارقة في الصمت.
- يااااا أنتَ ...ها... ها ... صرخة مخنوقة أطلقَتْهَا أختُكَ وهي تفتح الباب ثم ألقتْ بنفسها في حضنك، عانقتْك بقوة. اجتمعت العائلة كلّـها. قرأْتَ في ملامحهم الشَّوق الفائض، ولهفةً أجمعَتْ حنينَ الأيام.
ما زلـْتَ تحتفظ بالعلبة والمجسم ولم يسألـْكَ أحدٌ ما هذا؟ وقرأْتَ في عيون زوجتِكَ طقساً جديداً من الحياة، طقساً يثيرُ رمادَ الانكساراتِ والزَّمنِ، فأظهرَتْ ابتسامةً لم تكتملْ ملامحُ تكوينِها، فسرعان ما انتحرت أمام نظراتك. وسادَ على الجميع صمتٌ جليدي.
أشْعِلي المدفأةَ يا ‌بنت. طلبَتْ أمكَ منهم. تفجَّرَتْ في داخلك قنبلةٌ‌ من الخوف. وصرخْتَ: أينَ إيفوشكا يا أمي؟؟ تفرسْتَ في وجوههم. دمعةٌ ملأى بالغموضِ اختزلَتْ طقسَ المنزل، وانعكسَتْ زوايا قلوبهم، وجـدتْ طريقَها إلى الانحدار على خـدّ أمكَ. وأخفَـتْ زوجتُكَ وجهَهَا بين كفيها ... ولـمْ تتكلّمْ .
الطــائــف في ... /5/1998 م
(1) ملامرس : قرية شمال شرق سوريا .
(2) بسو : اسم لدلع القطة.
(3) إيفوشكا : اسم لدلع إيفا وهو اسم ابنتي.

============================
هدية إيفا هي القصة الأولى من المجموعة القصصية( وغابَ وجهُهَا) الصادرة في دمشق عن دار التكوين، ط1 عام 2004م ص9


الكاتب الذي لا يسكنه الطفل لا يعول عليه
صبري رسول: طفولتي ذخيرة ثرية للكتابة،
وأحاول أنْ أجعل من مواضيع الطفولة فناً كتابياً
1 - عنوان القصة هو "هدية إيفا" وأشرت في الهامش إلى أن إيفا هي ابنتك، ما سر هذا التداخل بين الإبداع وحياتك الشخصية؟
ج1 - أعتقد أنَّ الكاتب يستفيد من حياته الشخصية ومن مشاهداته الحياتية في كتاباته القصصية، فالفنُّ انعكاسٌ للواقع، والموت هنا غيابٌ فنّيٌّ للشخصية، والتداخل هنا فنُّ صياغة الواقع أدباً.
2- يقول القاص المغربي سعيد منتسب: "الكاتب الذي لا يسكنه الطفل لا يعول عليه. للطفل زرقة البحر وللكبار بلاهة الرمال" ما رأيك في موضوعة الطفولة في القصة، ولم تجعلها أنت دائما موضوعة للبكاء؟

ج2 – طفولتي ذخيرة ثرية للكتابة، وأحاول أنْ أجعل من مواضيع الطفولة فناً كتابياً، يترك الأثر لدى القارئ، سواءً أكان فرحاً أو بكاءً، المهم تكون القصة قد تركتْ أثراً فنياً لدى المتلقي.
3 - ما هي مبررات تكسير خطية السرد في هذه القصة- وأقصد أن هناك استرجاع واستباق- ، وأيضا لاحظت أنك رقمت مقاطع القصة هكذا: 1 -2- 1، (حين نشرتها على موقع القصة العربية) أهو تجديد ونفور من البنية الكلاسيكية أم اختيار جمالي تعول عليه؟

ج3 – قصة (هدية إيفا) تبدأ من النهاية، ثمَّ تعتمد على تداعي الأفكار، الاسترجاع إلى الماضي، وسرد الأحداث حول الشخصية المحورية(إيفا) حتى تستحوذ على عاطفة القارئ، وتأتي النهاية درامية، مما تركتْ أثراً في قلب القارئ. واستخدمتُ ضمير المخاطب، فالقصَّة تُروَى بلسان أحدهم(الراوي صوتٌ مجهول) مخاطباً الغائب(والد إيفا) الذي يفجع بها.
4- لو طلبت منك اختيار قصة لك ندردش على هامشها أي قصة تختار؟
ج4 - سأختار قصة(شعرتُ أنَّ الثلجَ يسقُطُ) لمَّا لهذه القصة من أثرٍ في نفسي، حيث المقاربة بين واقع الغربة وتأثيرها على نفسية المغترب. وهي منشورة في موقع القصة العربية، وفي مواقع أخرى، وهي من ضمن مجموعتي الثالثة التي تنتظر النشر.

صبري رسول: كاتب سوري من مواليد 1968 بقامشلي/سوريا- مغترب بالمملكة العربية السعودية حيث يعمل مدرسا للغة العربية- له مجموعة قصصية بعنوان ( القطا تراقص النّهر الجميل) بالاشتراك مع عمر الكوجري عن دار المجد بدمشق . صدرت له صيف 2004م ( وغاب وجهها ) عن دار التكوين بدمشق .

نشر في جريدة عيون الجنوب -غشت 2009

الأربعاء، 5 غشت 2009

عطلة سعيدة للجميع

إلى جميع الأصدقاء


مضطر للغياب هذه الفترة، أقضي عطلتي بعيدا عن البيت

كنت الأسبوع الماضي في مدينتي الصويرة واسفي

واليوم أنا في العاصمة الرباط .

قريبا أتجه نحو مدينة الدار البيضاء


ثم أعود إلى آسفي والصويرة، فأكادير ثم تارودانت وطاطا

اشتقت إليكم جميعا

أصدقائي المدونين وغير المدونين

في رمضان سأكون في بيتي على الأرجح، وسأتفرغ لعوالمي الأنترنيتية


مودتي لجميع أحباب الفوانيس