الجمعة، 17 نونبر 2006

لايقـينـية السرد في رواية "دليل العنفوان" لعبد القادر الشاوي


ذاكرة السرد المغربية بما تعج به من آثار سردية متميزة ومتنوعة، أسست لذائقة تعرف كيف تصير الحروف ذواتا وتنشئ عوالما تتناسل بتعدد القراء والقراءات. وها هو قطار السرد يحمل قراءه إلى محطات الدهشة ويخترق بهم الأنفاق والدهاليز، يقودهم إلى متاهات الحيرة تارة وإلى بر الأمان تارة أخرى. غير أن هذا القارئ المستأنس بفرادة السرد، الهائم في تهويماته، الباحث عن لذة النص في تداعيات الحبكة سيقف أمام نصوص تشاكس قارئها إلى الحد الذي تجعله يستلم مفاتيح السرد ويكتب الرواية بنفسه، إنها علاقة استفزاز بين الكاتب والقارئ لا تخلو من تنصل الكاتب من مسؤولياته. إن المتتبع للمتون السردية الغربية منها أو العربية يجد أن الكاتب في المتون القديمة قد خص القارئ بمكانة عالية وبالتدريج بدأ هذا التمجيد على مستوى الخطاب يقل ليحل محله خطاب الندية بين القارئ والكاتب إلى الحد الذي أصبح فيه الخطاب مستفزا للقارئ انعطافات السرد وتشكيلاته جعلت القارئ والكاتب يتخذان مسافات متباعدة ومتقاربة، يعود هذا بالأساس إلى الخلفية القرائية التي يحملها القارئ وإلى فلسفة الكتابة عند الكاتب. سأحاول أن أتطرق إلى هذين العنصرين : الخلفية القرائية وفلسفة الكتابة من خلال رواية "دليل العنفوان"1 للروائي المغربي عبد القادر الشاوي، خاصة أن الرواية تجمع بين نمطين من التلقي، التلقي الكلاسي وما يميزه من سارد عليم وقارئ منقاد والتلقي الحداثي بما يميزه من سارد سلم دفة السرد للريح وقارئ يفترض أن يكون متمرسا بالسرد الروائي. سنحاول أن نرقب من خلال الرواية عن كثب حيرة القارئ ومواقفه المفترضة تجاه كتابة تغازله تارة وتستفزه تارة أخرى.كما أننا سنحاول أن ندخل صومعة الكاتب أو ندعه يعرض علينا بعض أسرار الكتابة. لنتساءل بداية ونهاية: هل بمقدور القارئ أن يفلت من شباك السارد الأكثر رفاعة في تصيده وإيقاعه في لعبة السرد؟ هل يخاطب السارد قارئا عاديا أم ينتقي قراءه؟ وماذا عن الكاتب؟ أتراه يحاول تعرية كل شيء حتى الكتابة؟ ألا ينعكس هذا سلبا على علاقته بالقارئ؟ هل الكتابة كذب أم مستحيل يغازله الكاتب؟ أسئلة تتناسل عن أسئلة ولا أخال هذا العرض البسيط يجيب عن كل الإشكالات.
الخلفية القرائية:
الكاتب هو بدوره يفترض أن يكون قارئا جيدا، لقد ألفنا في ثنايا سرد محمد شكري أن يلفت الانتباه إلى مجموعة من النصوص الأدبية التي غرق في قراءتها وتلك كانت عادة مجموعة من الكتاب وكأن هذا الفعل اعتراف بالجميل لهؤلاء الذين ساهموا في صقل أسلوبه وبلورة رؤيته للعالم. لقد أصبح الكاتب هو الآخر يتموقع في موقع القارئ ليبدو قارئا مسايرا لما يكتب، وهكذا نجد عبد القادر الشاوي في روايته هذه يستحضر مجموعة من المتون "نداء القاهرة" "الزاوية". وإذا كان المؤلف قدر ركز على خلفيات قرائية فإن ذلك ليس من خلال المتون السردية بل من خلال الجرائد الحزبية مثل: جريدة "العلم" المعروف على أنها لسان حزب الاستقلال، وجريدة "الكفاح الوطني" التي بين المؤلف أنها تمثل اليسار الاشتراكي، ثم جريدة "الأخبار" الليبية المشايعة للأسرة السنوسية. هذا عن نوعية الخلفية القرائية الواردة من خلال الرواية والمؤسسة لنمط من القراءة ساد في الفترة التي يعالج فيها الكاتب وقائع معينة. فماذا عن القارئ في كل مكان وزمان؟ وإن شئنا الدقة والتخصيص ما هو القارئ الذي تتوجه إليه رواية " دليل العنفوان" ؟ القسم الأول من الرواية يعطي الانطباع بخطية السرد ويطمئن القارئ الذي يختزن صور حية لشخصيات وأمكنة وأزمنة تسير على إيقاع متنامي. وكما ألفنا في روايات ترصد الواقع رصدا أمينا، تحاول الرواية خاصة في قسمها الأول أن تحقق متعة القراءة " من خلال مادة أولية شديدة الصلة بالمجتمع وهمومه وأسئلته"2 وهي في ذلك تستجيب لأفق انتظار القارئ الذي لم يعهد لعبة الفراغات ومتاهات السرد، إذا فالكاتب لا يدخر وسعا ليشفي فضول القارئ. ولكن عندما يحس الكاتب أن الشكوك تعربد بقارئه يفتح قوسا ليصرح: " أخالك ستجهر شامتا أو شاكا أو ضاحكا بما يكذبني.."3 وفي الوقت الذي يحقق فيه القارئ غايته في أن يعيش لحظات النص، يستشعر الأمكنة والأزمنة ويتلمس الوجوه التي بدأت ملامحها تتكون، عندها يبدأ الكاتب رحلة الهدم ففي القسم الثاني من "دليل العنفوان " تقرأ "أقول في القسم الأول من هذا السفر الفقير –كما قرأت ولست إلا في البداية الحابلة، لاهيا أو ضجرا -شيئا من الحقيقة أو بعضا من الخيال "4 فعكس النصوص المألوفة التي لا تضع هذه الوقفات السردية بل تتابع في ما يشبه استغباء القارئ، لا يعبأ الكاتب بالجمهور فهو لا يخاف أن ينفض عنه حين يصارحه بقوله: "ولست أدري هل يغفر لي القارئ زلة جعلت منها واقعة، فقد خيل لي وأنا منطلق في السرد كالريح، أنني إذا أضفيت على الحدث مسحة من الدراما الأسيفة صيرته مؤثرا في الصلب"5 إنه سارد مخاتل، زئبقي، لا يصدَق في قول، فطوال القسم الثاني يعيد الحكي بطريقة مغايرة، يشطب على كل حدث مثير قيل في القسم الأول ويعيد صياغته، إنها المادة نفسها تتشكل من جديد وبالإمكان إعادة تشكيلها إذا ما تبث كذب السارد مرة أخرى. وكأن عبد القادر الشاوي يقول: " تبا لكل الخلفيات القرائية التي عودت القارئ أن يصدق كل كلمة وينساق مع انجرافات السرد النابعة عن أهواء الكاتب وظرفية كتاباته" إن للقارئ كينونته لذا يجب أن يدخل المكان لا أن ينتظر توصيف هذا المكان، عليه أن يتعرف على الشخصيات والعلاقات فيما بينها لا أن ينتظر السارد ليقوم بذلك نيابة عنه لايقينية السرد هي التي تجعل القارئ يبحث عن حقيقة النص، لأن كل شيء يطفح برائحة الكذب ولكل قول احتمالات شتى ولهذا نجد في أكثر من مقطع أن الكاتب يكثر من روابط الشك والريبة مثل: "قد، أو، ربما، أم أن.." في إشارة إلى أنها كلها مسارات واردة وأنه توجد أكثر من طريقة وفكرة لبناء النص: "أم أن في نفسي من الضغائن الخبيئة ما جعلني أطمس سيرته وسرائره الطيبة؟ (...) وقد تكون العملية كلها لا واعية لأنني كتبت ذلك القسم كله تحت تأثير انفعالات ظرفية.."6 هذا التدبدب يبدو واضحا عندما يتحدث السارد عن عمه : " أصبح في هذه الفترة كما كانوا يسمونه في الرباط أمينا لأصحاب الطاكسيات بحكم قدم باعه في المهنة أو لدماثة خلقه أو لأفضال غيره عليه أو لطموح كان يسكنه"7 إنه سرد لا يعرف الوثوقية يمسح آخره أوله، بل إن السارد لتشكيكه في كل كلمة يكتبها يعيد النظر في الكلمة الواحدة ليعيد تشكيلها من جديد فمثلا في المقطع الثاني " وها أنا أقول بالحرف (وعاد للرفقة الدائمة أنسها المعهود) " وهو يتحدث عن رفيقه رشيد المدني يركز على كلمة "وعاد" ، هذه الكلمة بالضبط يتحدث عنها قائلا: "غير أني أريد التحفظ بلباقة على كلمة انتزعتها من قاموس شارد لكي أشعرك بهناءة مفترضة وما هي كذلك إن القضية كلها في (عاد) التي وقعت في بداية الكلام المرسول المسكوك كوتد لقد خرجت على نحو ما رأيت جارية مفاجئة تريد أن تجنح مقامها وآن لها أن تنضبط في مجرى الحديث"8 وأنت تقرأ بعض هذه المقاطع وكأنك تقرأ مسودات هذا العمل، إنها الكتابة العارية دون رتوشات ودون مساحيق تجميل.وكما يقول أحمد بوزفور " المسودات لا تمزق أو تحرق أو ترمى كما يتخيل الكتاب، بل ترسب في قاع القصة إلى الأبد مكونة لاشعورها وغرائزها البدائية"9 وتثمينا لكل الدعوات التي أكدت على إشراك القارئ لا يكف السارد عن مخاطبة القارئ من آن لآخر يحثه على إكمال عملية السرد فحين يحاور السارد عمه يقول : "وتصور أنت بماذا كان علي أن أجيبه ..هيه.."10 إنها حكاية يقرأها الكاتب ويكتبها القارئ.
فلسفة الكتابة في "دليل العنفوان":
الكلام المرسول المكتوب، كما وصفه عبد القادر الشاوي في دليل العنفوان بـ "المسكوك كوتد" ، فهذه المادة الأولية الشكلية: الحروف المتشابكة وعلامات الترقيم التي تتخللها هي البديل لمنطوق شفوي، فهل يستوي كل من الكاتب والمتكلم؟ وهل يستوي كل من القارئ والمستمع؟ حتما هناك طقوس وعادات تميز الشفهي عن المكتوب ولكل فرادته وطابعه الخاص، ولأن المجال لا يتسع لإفراد الاختلافات والتقاطعات بين لغة مكتوبة وأخرى شفهية فسنعرض فقط إلى بعض الطقوس في الكتابة التي يتبناها الكاتب وتفضح حنينه إلى أن يكون متكلما. لنتساءل عن سر هذا الولع بتشخيص المكتوب؟
مخاطبة القارئ بشكل مباشر:
"لا تلتفت ثمة قارئ بجانبك يقرأ ما تقرأ تقرأ أنت كلمة ناقوس فيسمع هو الرنين لا تلتفت ثمة قارئ معك وفيك يقرأ هو ما تقرأ أنت يقرأ بجهر ووضوح ما تعجز أنت على قراءته مضى هو وبقيت أنت في ارتباك"11 إنه أسلوب المواجهة بين كاتب وقارئ، لا تندهش إذا ما فاجأتك يوما شخصية ورقية " هل تسمعني؟! هل تراني؟! أنت أيها المحدق في بياض الورق!! " لقد نهج الكثير من الروائيون هذه التقنية في الرواية الحديثة12، وإن كانت في حقيقتها تقنية ذات جذور شفهية، فالجدات لم تكن تحكين قصصهن دون استطراد ودون أن تتوقف لتخاطب المستمعين إليها. وكل راو أمام جمهوره كان لزاما عليه أن يخاطب المستمعين إليه ، يسألهم ويحاورهم فهم كانوا دائما وقود حكاياته وحتى بعد ظهور الكتاب، ظل السرد في بداياته خاضعا لطقوس شفاهية، فالقارئ الذي كان يقرأ في العصور الوسطى كتابا في الكنيسة كان يخاطب الجمهور باحترام وتقدير، ولم تتعمم ثقافة المكتوب إلا بعد انتشار المطبعة، إذا فهي تقنية جديدة- قديمة يتفاوت استعمالها من روائي إلى آخر حسب الوعي بالظاهرة والتوظيف الفني لها. في رواية "دليل العنفوان" تتم مخاطبة القارئ بشكل مباشر مرات عديدة بحيث يشكل هذا النمط في الخطاب حفرا دلالية تجعل القارئ يطيل التفكير لتحديد مواقفه وآرائه وتصوراته، فمثلا يحدث أن يفاجأ السارد القارئ بقوله " أخالك ستجهر شامتا أو شاكا أو ضاحكا بما يكذبني وستقول(...) واثقا أن في نفسك ما يرقى بك إلى البراءة وما ينـزل بي (...) مهلا مهلا. لماذا لا نحكم والحالة هذه شاهدا مدموغا بالوثاقة؟"13 ومرة أخرى يخاطب القارئ :" تقرأ هذا السفر ولكنك تجادل بالسوء في تركيبه.."14 والملاحظ من خلال هذين المقطعين أن السارد يحاجج قارئه في مدى مصداقية ما يرويه وهو شأن العديد من المتون السردية التي تسعى إلى انتزاع اعتراف واقعيتها من القارئ.ولكن في الوقت الذي يبدو السرد وثوقيا ومتجها نحو فرضية تصديقه يبدأ السارد سيرورة الـهدم، فها هو يقول: "سترى أن الصدق بيان كاذب وأن الكذب له سند في صحاح كل كيان"15 ويضيف فيما يشبه الاعتراف "وأنا أستدرجك الآن إلى حكاية ضالة، ولا أقودك إلى بر آمن، لك شأنك وستبقى مخيرا بين القناعة والرضى. لي ديدني ومجالي. وما بيننا سوى الكلام"16 إذا كان الكاتب في العصور القديمة حريصا على تمجيد جمهوره وهو يقوده في مسارب السرد إلى نهاية سعيدة حتى لا يتكدر أو يتذمر، فإن الكاتب في "دليل العنفوان" لا يهتم لموقف هذا القارئ. وهو إذ لا يهتم لموقفه ليس تبخيسا من قدراته ولكن لكل ديدنه وشأنه على حد تعبير السارد. ومن أجل قارئ غير مستلب يحاول السارد التنويع من أساليب هذه المواجهة، وهو لا يجد حرجا في استفتاء رأي القارئ مادامت الغاية هي إيقاظه وإشراكه فيقول: " ألا ترى أن (فلسفة العصر من فلسفاته) وهو العنوان لا يحمل من سحر العناوين ما يمكن أن يلفت نظر القارئ؟"17 إنها مجابهة بين الكاتب والقارئ يطبعها الاحترام تارة وتتميز بالاستفزاز تارة أخرى، والمؤكد أنها مجابهة لا تطمح إلى التأكيد على يقينية السرد بقدر ما تبعثر أوراق القارئ وتضعه في مفترق الطرق.
الاحتفاء بالمكتوب:
وهي حالة من التأمل يتمعن الكاتب فيما ينكتب على الورق، فالروح المتدفقة عبر اللغة تثير حيرة الكاتب فيستغرب "كان يجب أن أكتب شيئا فخرج هذا الشيء في سطور فاحمة، مسنونا حادا في طور، رخوا لزجا هولاميا في طور آخر!! "18 وفي مكان آخر يحاول استكناه الكتابة " وبدأت أدرك أن الأفكار الهائمة قد تنتقل من المخيلة إلى السطور ومن السطور إلى الصدور. وتبرق في العيون كأنها سهام من التناجي توصل طرفا بطرف.."19 إنه ما أسماه بوزفور بالكتابة المتبرجة " الكتابة التي تتأمل نفسها في المرآة وتسوي شعرها وتبتسم وهي تقول (هناك شيء ما ينقصني) تقول ذلك وهي تعني (ما أجملني!) "20 إنها كتابة مرآوية تريد أن تعيد للحروف حيادها، ولهذا يختم القسم الأول ببيان للكتابة في دليل العنفوان فتحت عنوان "همزة" بين الكاتب أن "الحكي المستعر" يحاول أن يجد له قالبا، لغة يتدثر بها أو بالأحرى كتابة مستحيلة قادرة على الاستعادة الأمينة اللامتشظية21 ويبلغ الحد بالكاتب في هوسه بالكتابة إلى الدرجة التي تجعله يعيد كتابة المقطع المعنون بـ "همزة" في نهاية الرواية بشكل ارتدادي فتقرأ تحت عنوان "همزة مضادة": "ضدك وينقلب يتحداك قالبا ومنطلقا للماضي تجعل أن تحاول إذ "22 وهو مقطع قابل لأن يقرأ بشكل معكوس. وليس هذا إلا من قبيل البحث عن كتابة تحتوي العالم وتعبر عن مجمل التناقضات.
لاوثوقية الكتابة:
من الملامح المميزة للكتابة في "دليل العنفوان" أنها كتابة تسعى إلى أن تبقى على طبيعتها الأولى مليئة بالخربشات والاستطرادات وزلات القلم والتشطيبات، فهي أشبه بمسودات تركت على سجيتها. ومما يؤكد ذلك أن السارد في كثير من الأحيان يعيد النظر في بعض العبارات معلقا عليها بما يوجب بترها، فهو يعلق على الجملة الأولى في الرواية التي أريد لها أن تكتب هكذا " أقمت في بداية الشتاء في مسكن متواضع يطل على الجوطية" يعلق بقوله: "تصنع وحذلقة، كأنني كنت أملك حريتي ..وكأنني حين كنت أكتب ذلك سطرت بأمر خفي قدرتي على الحياة، وماهي قدرة تلك، على الحياة.. إن هي إلا أكذوبة خضراء"23 وتبدو الكتابة أكثر تدبدبا ولاوثوقية حين يؤكد الكاتب على بعض الكلمات " وقلت (رقيقا) الرقة كانت في طبعه كالدم في عروقه"24
خـاتمــة:
من يحاسب السارد إن زاد في القصة قدرا، إمارة أو إشارة؟ من يحاسبه إن غير من هذا الوجه ملمحا أو غير السياق؟ أليست القصة في النهاية قصته؟ عكس هذه التساؤلات التي وردت في الرواية على لسان السارد من شأن القارئ ما دام السرد (خيلاء حكي) أن ينتفض: من يحاسبه إن أبدى امتعاضه من هذه الشخصيات أو تحمس لأدوارها في المجتمع؟ من يحاسبه إن أساء النوايا في كل ما يحاك من خيال؟ لايقينية السرد في الرواية هي ما يفرض على القارئ بناء تصورات متعددة لمسارات السرد، وذلك لن يتأتى إلا بطرح التساؤلات والفرضيات الأخرى الممكنة للسرد. إن هذه اللاوثوقية التي تسم " دليل العنفوان" هي التي تفرض على القارئ أحيانا أن يتموقع مكان الكاتب وتجعل منه قارئا فعالا ومبدعا. وأخيرا نخلص إلى أن أعمالا مثل "دليل العنفوان" هي دليل على رغبة مؤلفيها في تحطيم غطرسة السارد العليم، هذا السارد الذي يدعي دائما أنه مالك الحقيقة في كل سرد. أيضا تأتي هذه الأعمال ضد تسطيح الرؤية السردية في الخلفيات القرائية السائدة التي رسخت سلطة السارد المتعالي. غير أن الإغراق في هذه التقنيات الحديثة والارتباط بهموم الكتابة قد يتحول إلى الكتابة من أجل الكتابة، وقد يرسخ خلفية قرائية تدعو إلى القراءة من أجل القراءة. 2004 /08/24
هوامش:
1- "دليل العنفوان" عبد القادر الشاوي. نشر الفنك. ط1/1989 2- الصفحة الرابعة من غلاف رواية "دليل العنفوان" – تعليق محمد برادة على الرواية- 3- نفسه ص24 4- نفسه ص82 5- نفسه ص 113 6- نفسه ص 108 7- نفسه ص87 8- نفسه ص108 9- "الزرافة المشتعلة" أحمد بوزفور.المكتبة الأدبية ط1/2000- شركة النشر والتوزيع- المدارس.الدار البيضاء. ص42 10- "دليل العنفوان" ص90 11- "الأعمال الكاملة" محمد الصباغ 12- على سبيل المثال لا الحصر: أحلام مستغانمي في ثلاثيتها( "ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس" و"عابر سرير") جبرا إبراهيم جبرا في "يوميات سراب عفان" وأحمد المديني في "حكاية وهم" و"وردة للوقت المغربي" 13- "دليل العنفوان" 24 14- الصفحة نفسها 15- الصفحة نفسها 16- الصفحة نفسها 17- نفسه ص29 18- نفسه ص82 19- نفسه ص39 20- "الزرافة المشتعلة" ص121 21- "دليل العنفوان" ص74-75 22- نفسه. ص
141 23- نفسه ص82 24- نفسه ص107
شكيب أريج

ليست هناك تعليقات: