الأحد، 15 يناير 2012

في سيكلوجية الضحك




في سيكولوجية الضحك


كم شخصا نراه ضاحكا خلال اليوم؟ هل نضحك كثيرا كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا ؟ حين نضحك لماذا نحاول دائما مداراة ضحكنا بأكفّنا أو بإشاحة وجوهنا أمام


الآخر كأنما نأتي أمرا شائنا ؟ هل نقدر على الضحك حين نكون وحيدين أم أن الضحك اجتماعي بامتياز؟
كيفما كان الحال، أظنّ أننا صرنا نضحك جوّانيّا، نوع من الضحك المكتوم أو المردود للداخل، إنها أشبه بطلقات نحرص على تسديدها بدقة في غفلة عن الآخرين والهدف هو الخوف السيكولوجي التاريخي الذي نكوّمه في جغرافياتنا النفسية والذهنية الشائهة.

أمّا الضحك التقليدي(البرّاني) المتعارف عليه بألوانه: من ا

لضحكة البيضاء حتى الضحكة الصفراء مرورا بالضحكة


الحمراء والضحكة الخضراء فليس سوى متاريس متآكلة تخفي أو تجمّل هشاشة أكبر لا يظهر من جبل جليدها سوى نتائج نفسية واجتماعية مدمّرة..ماذا إذن عن "الضحك الأسود" أو "المثقف" أو "المهذب" أو "المفكّر"(بكسر الكاف) ؟


ضحكنا الأسود ليس بالضرورة يبين عن أسنان نضيدة أو افترار للشفاه كل وقت وحين..ضحكنا الأسود الذي ساهم في نموه وضع محلي وعالمي بئيس يتغذى على هلوساتن

ا الهذيانية حينا، وعقلنا المنطقي حينا آخر.. أعتقد أن نجاحنا وصدقنا يكمن في التنقل السلس بين العقل والجنون دونما تصنع وابتسار..أن نكون "نحن نحن" لا "نحن الآخرين" كما يؤكد على ذلك تيار علم النفس الإنساني، والعديد من المشارب الفلسفية التي عضدته ، منها وجودية كييركجارد وظاهراتية هوسرل..الضاحكون كثيرون: ضاحكون ضحكا كالبكا على رأي الشاعر، والضاحكون الشامتون، والضاحكون الآن حتى لا يضطرون للبكاء لاحقا على رأي أحد الكتاب لا أذكره، وهو نفس ما ذهب إليه المسرحي العبثي يوجين يونيسكو حين قال: " يأتي الضحك كتحرير، إننا نضحك لكي لا نبكي"، أو حين قال ببلاغة ضاحكة عميقة في إعادة تعريفه للإنسان: " الإنسان ربما هو الحيوان الذي يضحك".. وهناك أيضا الضاحكون على الذقون، والضاحكون من خوف ومن فرق(بفتح الفاء والراء)، والضاحكون من كثرة الهمّ والغمّ.. ألم يقل الشاعر الفرنسي جاك سيناك: " اضحك بقوة/ حتى لا يبقى

مكان في هذا الجسد لكلمة أو لميّت"..

أعتقد أن يوجين يونيسكو أصاب حين أشار إلى أهمية الضحك والهزل في توكيد الذات الإنسانية وتحريرها، فليس هناك ما هو أشفّ وأصدق من "ذات ضاحكة/هازلة/ه

ازئة"، يقول: " حيث لا يوجد الهزل، لا توجد الإنسانية، وحيث لا يوجد الهزل - الذي هو الحرية والانفصال عن الذات- لا يوجد إلاّ المعتقل".

الضحك هو في النهاية علاج طبي وسيكولوجي كما ذهبت إلى ذلك مجموعة من التجارب والأبحاث في هذا المجال، فقد ثبت أن الضحك أفضل مورفين(مسكّن) ضدّ الألم، وذلك من خلال إجراء تجارب طبية ينتج عنها ألم على أشخاص في حالة ضحك ، فقد أظ


هرت عدة دراسات أن الضحك يساعد على خفض الشعور بالألم، إذ يساعد على إفراز هرمونات تسمى "بيتا اندروفين" في المخ، وهذه بدورها تؤثر في المستقبلات الحسية وتخفض الحساسية للألم. كما أنّ العديد من الأطباء على المستوى العالمي أفادوا أنّ الضحك يساعد علي زيادة الأكسجين الذي يصل إلى الرئتين، وينشط الدورة الدموية، ويساعد علي دفع الدم في الشرايين، فيتولد إحساس بدفء الأطراف، وربما كان هذا هو السبب في احمرار الوجه حين نضحك..


لكن حين نضحك بصدق فقط...
ومن الناحية النفسية والاجتماعية، فإن الضحك عادة ما يخلق لدى الفرد شعورا بالارتياح الذهني والنفسي، وثقة كبيرة بالنفس، وقدرة على العطاء والتواصل الفعال سواء مع الذات أو مع الآخر..
فلنضحك بقوة..لربّما هو الشكل الوحيد من النضال المتبقي لنا لمواجهة هذا العبث العاتي الذي يحاصرنا...


سامي دقاقي/ كاتب من المغرب

ليست هناك تعليقات: