الثلاثاء، 8 يوليوز 2008

استطلاع حول التحرش الجنسي بطاطا


جمعية الأفق للثقافة والفن بطاطا تقوم بـ:
استطلاع حول التحرش الجنسي بطاطا
يعري الواقع ويطرح تساؤلات عميقة
حول الآفاق الاجتماعية والتنموية بالمنطقة

الصورة ليست من طاطا

نشر في جريدة الأفق الجديد- 45
يوليوز-غشت 2008


يمنح المجتمع المغربي سلطة كبيرة للرجال على النساء من خلال الإديولوجيا السائدة القائمة على دونية المرأة، هذه السلطة الذكورية تفتح الباب واسعا لكافة أشكال الاضطهاد، ويمثل التحرش الجنسي إحدى أقبح أوجه احتقار المرأة باختزالها في موضوع جنسي لا غير. ففي الشارع، البيت، العمل والمدرسة تتعرض النساء يوميا للإهانة انطلاقا من كونهن هدفا جنسيا.
هل يحدث هذا في طاطا؟ نعم يحدث تحت كماشة من الصمت والخوف من إلحاق العار. نعم يحدث في كل مجتمع حتى لو كان مجتمعا محافظا متمسكا بالقيم، وحتى لو كان مجتمعا مغرقا في التحضر والحداثة، في القرية كما في المدينة، وفي كل مكان حتى في البيت العائلي.
جمعية الأفق للثقافة والفن بطاطا جندت طاقات شبابية وإمكانيات بسيطة لكنها فعالة من أجل الوقوف على أرقام دقيقة في هذا الشأن باعتباره موضوعا كان مثار نقاشات جادة أثناء ورشات نظمت بفضاء الجمعية.
وحسب الأرقام التي توصلنا بها من الجمعية بناء على اسثمارة تسائل الجنس اللطيف عن التحرش الجنسي وأمكنته ونوعية المتحرشين وآثاره والفئات العمرية المستهدفة يبدو لنا أن قيمة العمل الذي قامت بها الجمعية تستحق الاشادة والتشجيع لا سيما أنه أول استطلاع يتم القيام به بأسلوب احترافي ومتميز ويخلص إلى نسبة تدق ناقوس الخطر لتقول لجميع المطمئنين إحذروا فنسبة التحرش بطاطا %73.64.

ضبابية تعريف التحرش الجنسي:
أول جواب تحاول الاستمارة الإجابة عنه هو تعريف التحرش الجنسي، إذ يبدو أن هناك هوة شاسعة بين ما تعرفه العامة عن التحرش وما يجب أن تعرفه. هذا الفراغ المعرفي يدل على أن الكثيرين يحترفون التحرش الجنسي دون أدنى تبكيت للضمير معتقدين أنهم يمارسون حقهم الطبيعي في استعراض (الرجولة والفحولة) كما تتعدد الاجابات عن هذا السؤال من وجهة نظر الإناث فهي حسب معظم الإجابات في الاستمارة:( عادة إنسانية دنيئة غير أخلاقية - ظاهرة اجتماعية -اعتداء جسدي- اعتداءلفظي -فضيحة أخلاقية- استغلال- آفة - سلوك غير تربوي - معاكسة - (ظاهرة عادية)- اعتداء جنسي- تعدي على حقوق المرأة- إهانة - اعتداء فعلي أو قولي - انتهاك - مضايقة - اغتصاب. )
هذه التعاريف أغلبها أخلاقي ميال الى تصنيف سلوكات البشر الى قبيح وجميل وهو تقسيم تبسيطي لا يرقى الى التعريف الكندي مثلا للتحرش الذي " يعتبر التحرش الجنسي شكل من أشكال التمييز على أساس الجنس" وليس على أساس الأخلاق.
في الفصل 503 من القانون الجنائي يعرف التحرش على أنه: " سلوك يصدر من شخص تجاه آخر يستغل من خلاله المتحرش جنسيا علاقة السلطة التي يتمتع بها اتجاه المتحرش به، من أجل الحصول على منفعة جنسية أو أحيانا بهدف مضايقة الآخر.
يوحي هذا التعريف بأن تحرش شخص على آخر ليس عليه سلطة لا يعد تحرشا جنسيا، وهذا غير صحيح، لأن تحرش رجل بامرأة لا ينبع فقط من كونه له عليها سلطة في العمل أو سلطة مادية بل يمكن لهذه السلطة أن تكون اجتماعية يمنحها له المجتمع فقط لكونه رجلا.

أشكال التحرش وأسباب الصمت:
يكتسي التحرش الجنسي أشكالا متعددة، فيأتي إما عبر تصرفات أو أقوال أو حركات أو لمسات ذات صبغة جنسية غير مقبولة لدى الطرف المستهدف. هنا يحق لنا أن نتساءل ما موقف الأنثى من التحرش؟ إذ أن البعض يعتبر التحرش أحيانا نوع من رد الاعتبار للأنثى وفي هذه الحالة- أي في الحالة التي تشعر الأنثى بالفرح الداخلي- لا يمكن أن نعتبر ذلك تحرشا..الاسثمارة ساءلت المعنيات وكانت الأجوبة متعددة كالتالي: الصمت- السب- الغضب- الانفعال- الصراخ والبكاء- الهروب- التجاهل- الضرب- الخوف ..
وهي إجابات منطقية إلى حد بعيد. لكن السؤال يكبر إذ نتساءل مرة أخرى لم الصمت؟
1- تتحدد مكانة المرأة داخل المجتمع الذكوري بدرجة أدنى من الرجل، مرغمة بذلك على الخضوع التام لذكوريته حيث توصف على أنها زوجة فلان أو بنت فلان أو أمه، وبالتالي عليها التقيد بالقوانين التي تراعي صورته ولو كان ذلك الصمت انتهاكا لكرامتها وجسدها. (الصمت أفضل حل مقارنة بالعار الذي سيلحق العائلة)
2- صعوبة إثبات واقعة التحرش الجنسي بالوسائل التقليدية (الشهود) خاصة أنه لا يترك آثارا جسدية إلا إذا تطور الأمر إلى ضرب أو اغتصاب. (وهنا لا يقيم القانون أي اعتبار للآثار النفسية التي تترتب عن التحرش الجنسي)
3- اعتبار التحرش الجنسي أمرا عاديا لدى غالبية الناس والخوف من جهة ثانية من أن يؤدي الرد عليه إلى ما هو أقوى من الكلام والنظرات ليتحول إلى اعتداء مادي/جسدي.
4- استبطان النساء (عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمؤسسات التربوية) لمنطق الذهنية الذكورية.
أين يحدث التحرش الجنسي؟:
ركزت فاطمة المرنيسي في دراساتها على أهمية الحيز المكاني فيما يخص العلاقة بين المرأة والرجل، وبينت أن البيت هو المكان الذي يحب المجتمع الذكوري أن يسجن المرأة فيه، في حين أن الشارع والمقاهي مكان محرم على المرأة، هذا التصور للحيز المكاني في اعتقادي يؤجج من فعل التحرش في الشارع فهو المكان السائب الذي لا تضبطه ضوابط وتصل نسبة التعرض للتحرش فيه حسب نسب الاستطلاع إلى % 67.3 وفي البيت: % 07.69 وفي المدرسة % 25.



التحرش داخل المدرسة:
النسب التي قدمتها الجمعية بخصوص فضاء المدرسة تقول أن: % 75 من المتحرشين في المؤسسة هم من التلاميذ، و% 25 هم من الأساتذة


لقد خصصت الاستمارة أسئلة تتوغل في اكتشاف الحيز المكاني الخاص بالتمدرس، وإذ نتساءل عن السبب، فإن الأمر طرح بشكل متكرر من باب الفضائحية والتشفي من أحوال التعليم والتربية حينا ومن باب التساؤل باستغراب: كيف يتحول فضاء التربية والتعليم إلى فضاء للاتربية واللاتعليم حينا آخر. غير أني أعتقد أن ما أرادت الإشارة اليه الاستمارة باعتبارها استهدفت مجموعة كبيرة من تلامذة المؤسسات التعليمية هو التنبيه إلى الخطورة التي تتهدد فلذات الأكباد في كل مكان حتى لو كان معبدا، وإخطار كل من سولت له نفسه التحرش أن هناك مجتمع مدني لن يتوانى عن التستر عن الجرائم دائما.



آثار التحرش الجنسي
مجرم- غبي- وحش-حيوان- لا إنساني- غير محترم –مريض نفسيا –مكبوت – عادي- غير عاقل – مكروه- متخلف.. هكذا كانت إجابة المعنيات حين سئلن عن نظرتهم للإنسان المتحرش وهي إجابات تعكس واقعا عدائيا يتمظهر في عقد مستقبلية سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة لذلك فإن الاسثمارة قامت بسبر عميق لنفسية المتعرضات للتحرش وسجلت أن نسبة %70.32 تقر بالآثار البليغة للتحرش ونسبة %29.67 تكيفت مع مثل هذه السلوكات المهينة بحيث لم يعد يؤدي التحرش إلى آثار سلبية بهن.



الفئات العمرية المستهدفة
هل يميز المتحرش بين ابنة أو قاصر أو متحجبة أو زوجة أو حتى حامل؟ الجواب في كل فئة هناك نسبة، جمعية الأفق بطاطا حاولت تحديد الفئات العمرية الأكثر تعرضا للتحرش بطاطا لتسجل أن الفئة ما بين 16-20 هي الأكثر تعرضا للتحرش بنسبة: % 81.96 تليها الفئة العمرية ما فوق عشرين سنة إذ تصل إلى: % 69.23 أما القاصرات أقل من 16 سنة فتسجل نسبة: % 62.5 وهي كلها نسب كبيرة تنبئ بأن المرأة في المجتمع مستهدفة في الشارع والبيت والمدرسة، في مختلف مراحلها العمرية.

ما العمل؟
بعض الإجابات عن هذا السؤال تربط بين التعرض للتحرش وعدم الزواج، مع العلم أن الاستطلاع في طاطا شمل الكثير من المعنيات المتزوجات اللواتي يلاحقهن شبح التحرش عبر سماعة الهاتف وفي الإدارات والأماكن العمومية لذا فالرهان الجديد أمام المجتمع المدني هذه المرة هو محاصرة هذه السلوكات أينما كانت.
إجابات أخرى تربط بين التحرش وارتداء الحجاب، ومعلوم أن هناك نظرة ذكورية تزداد تأججا أمام المحجوب المرغوب وتعتبر الشارع ملكا للرجل ومبررا للتحرش معتبرة أن هذه المرأة سواء كانت متجلببة متحجبة أو غير ذلك قد اقتحمت فضاء ذكوريا.
الكثير من الإجابات بعضها عفوي ارتجالي، وبعضها قناعات تطمح الى إيجاد جواب شاف ودواء فعال لمثل- هكذا- معظلة نجملها في ما يلي: (التوعية والأخلاق – التربية – الزواج – ارتداء لباس الحشمة (الحجاب) –القانون والعقاب (الزجر)- العفة والحياء- الرجوع إلى الدين- غض البصر من قبل الرجال – التربية الجنسية –حل اقتصادي- مشكلة نفسية لا حل لها- العلاج النفسي –التخلص من البطالة..)
أهم ما يجب أن نلتفت إليه قبل الحكم على هذه الإجابات هو البحث عن قاسم مشترك نتقاطع حوله لمواجهة التحرش الجنسي لذلك نقول:
أولا: لا للصمت. ثم:
لا بد من إلغاء كل المقررات الدراسية والدروس التي تتضمن اللامساواة بين المرأة والرجل، وإلغاء كل القوانين التي تكرس الاضطهاد والعنف ضد المرأة. وإذ نحن ملزمين بتوعية المرأة وتأهيلها فإننا كمجتمع مدني ملزمين بضرورة تأهيل الجمعيات الحقوقية والنسائية والنقابات وكافة المنظمات الشعبية ونضالها من أجل إصدار قانون يجرم التحرش الجنسي بصفة عامة. ( رغم أن القانون ليس حلا سحريا فإنه يقوم بدور رادع كما هو الشأن مثلا في فرنسا وكندا )
من جهة أخرى لا بد من تغيير الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام السمعية والبصرية عن المرأة كبضاعة للاستهلاك الجنسي ولن يتأتى ذلك إلا بتنشيط ورشات ونقاشات حول موضوع التحرش الجنسي لتحسيس كلا الجنسين بمخاطره النفسية والاجتماعية والعمل سويا على تغيير العقليات والفكر السائد بخصوص النظرة الاحتقارية والدونية للمرأة واعتبارها مادة للإثارة الجنسية فقط.
إعداد: شكيب أريج

ليست هناك تعليقات: