الاثنين، 22 دجنبر 2008

قصة من الزميل الحسين بودرقة

هدايا لأسماك البحر

الحسين بودرقة Houcine_bouderka@yahoo.com


حركة غير عادية، تسمع عبر النافذة المطلة على البحر انتصب واقفا
:
هل يمكن أن تكون الشرطة، قالها وهو يطل من النافذة
.
اقتربت سعاد منه، دفعت رأسها هي الأخرى عبر النافذة، ثم قالت
:
ألا تعتقد أن الشرطة اكتفت منك، لهم اليقين على أنك أوقفت كل نشاطاتك السياسية، بل يعتقدون أنك أصبحت مجنونا يسكن كوخا حقيرا، معزولا عن العالم
!أكيد أنه فوج آخر يا سعاد هدايا جديدة للأسماك!
-
لماذا يفر الإنسان من وطنه بهذه الطريقة؟!
أجابت وهي تعود إلى السرير، ولماذا يعيش الإنسان في عزلة عن المجتمع بعدما كان فردا منه
!؟ لقد سممتك هذه الكتب!لا تختلف أنت أيضا عن هؤلاء.
رمقها بنظرة غريبة ثم عاد إلى السرير ، دفن رأسه تحت الوسادة
...
خرج من كوخه الحقير، ورائح النبيذ تفوح من فمه، أغلق الباب كما لو أن بالداخل شيء ثمين يخافه أن يسرق، سرير مهترئ، طاولة قديمة أصبحت المسامير بادية عليها، بعثرت عليها مجموعة كتب، وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، شرق المتوسط والأشجار واغتيال مرزوق وقصة حب مجوسية لعبد الرحمان منيف ، مجلة أنفاس، علبة سجائر، ومجموعة أوراق بيضاء مكتوب على إحداها، الحياة مسرحية وزعت فيها الأدوار بشكل عشوائي؛ على الحائط علقت خارطة العالم، أسفل منها رواية عالم بلا خرائط
.
التفت إلى الكوخ مسحه بنظرة وداع أشعل سجارة شقراء شرب منها هذه المرة بنكهة مختلفة، ثم انحدر عبر الصخور التي تقاوم صفعات الأمواج، تذكر أخر لقاء له بالحاج موسى
.
أنا مستعد أن أتخلى لك عن الكوخ مقابل أن تأمن لي العبور
أنت شاب طيب، طيب غدا على الساعة الثانية صباحا
.
اتفقنا
أحس حرارة السجارة بين أصابعه، دفنها في الرمل وتمنى لو يدفن معها كل آلامه، التفت إلى الصخور التي تقاوم صفعات الأمواج التي لاتمل ، يبدو أن كثيرون ضبطوا ساعاتهم على الثانية أولم يناموا كي ينزلوا كالأشباح عبر تلك الصخور، ماذا سعاد؟
!
لماذا أنت هنا؟
كنت أعرف أنك ستفعلها
.
أكدت لي
أنك مجنون، كما تأكدت أيضا أنه تسرب لي شيء من مسك، لذا أنا مستعدة لأن أموت معك.
الإنسان لا يستقر دائما على رأي، كانت هي من يصرفه عن التفكير في الفرار من وطنه، كانت تقول له حين كانت تتركه مستلقي على السرير تقف أمام المرآة كما لو أنها تتحقق من أنها ما تزال بكامل جمالها، تفتح عينيها ، تقترب أكثر من المرآة، تفتح فمها
... تقبل نفسها تلتفت إلية: - يجب أن تكف عن قراءة هذه الكتب وتشير إلى الكتب المبعثرة على الطاولة، فهي التي تجعلك تشعر بالغربة أكثر، يجيبها وهو لا يزال في وضعه ينظر إليها كما لو أنه يراها لأول مرة.
أنت محقة، ولولا دفئ صدرك لكنت تزورينني الآن في مصحة الأمراض العقلية
!
عظم الجمع الآن، سنحتاج إلى سفينة حربية، لا إلى قارب خشبي،ابتسمت سعاد ابتسامة ممزوجة بالحزن، يكاد يتبين البريق في عينيها، هي تقاوم حتي لا تنفجر باكية، جرها من يديها ضمها إلى صدره سنموت أو نحيا معا
!
أكل هؤلاء دفعوا المال لشراء الوهم، أو لشراء الموت في عرض البحر، حتى
"سامويل" الأسود الذي اعتقد سكان القرية في أول الأمر أنه قدم مثل كل الأفارقة الذين تعج بهم القرية من اجل الهجرة، لكنه استطاع أن يندمج وأن يخلق علاقات بل أصبح إسكافي القرية. هاهو الآن يتخلى عن كل شيء أصدقاؤه ومعارفه كما تخلى من قبل عن عائلته، هو يقول أنه لم يتخل عنهم بل هو هنا من أجل إنقاذهم!.
الإنسان يستطيع أن يتخلى عن كل شيء بسهولة، ربما أفكاره هي التي تصمد أكثر ففكر ة الهجرة عند
"سامويل" قديمة. كان دائما يقول يجب أن أهاجر عند الأبيض لأسترد ولو جزء قليلا من الثروات التي سرقني إياها!.
ياسادة بهدوء، ليأخذ كلنا منكم مكانه بالقارب، لحظات وتكونون بالضفة المقابلة
.
تكدس الكل بالقارب حتى لم تعد هناك مساحة لوضع ثعبان واقف، سعاد ملتصقة به كحمل صغير لا يستطيع أن يفارق والدته
.
صمت رهيب خيم على الأجواء لا يسمع منه سوى صوت الأمواج التي تجود عليهم بين الفينة والأخرى بشيء من الماء المالح
.
حبيبي تصلبت رجلي، قالتها له سعاد وهي ترتعش، ضمها إليه وبدأ يمرر يده على فخذها، أحست شيء من الدفء فأسندت رأسها إلى صدره، أكيد شرعت في البكاء
.
ازدادت قوة الأمواج أصبح القارب بيت فكي عفريت، المياه تغمره، كثر الصياح، البكاء
. مر كل شيء بسرعة و أسلم الكل جسده هدية لأسماك البحر.
أصدر المنبه رنينه المزعج، ضغط عليه بعنف فاستيقظ من كابوسه المزعج
.

هناك 6 تعليقات:

ست الحسن يقول...

أولاً المدونة دي ممتعة جداً
يعني لو دخلتها صعب تخرج منها
لأن موضوعاتها متميزة جداً

.......

عن القصة
عجبتني فكرة الخروج من الوطن بالعزلة داخله أو بالهرب منه
وعجبني كلام الحبيبة عن الكتب والأفكار التي تسمم الإنسان وتجعله ينعزل

النساء دائماً يؤمنَّ بالحياة من أعماقهن يعرفن أن الحياة أولى بأن تعاش
ربما لأنهن يحملن حيوات جديدة
لا أعرف
ولكنهن لا يستطعن التكيف مع فكرة العزلة

...

حسيت البطل والبطلة جداً
قصة ممتعة فعلاً

Unknown يقول...

اولا كيف احوالك ؟ ارجو ان تكون بخير عزيزى .. وثانيا انت تعرف رأيى فى كل ما تنشر عزيزى فأنت بحق شخص مثقف جدا ولديك روح فلسفيه عالية وبجد لما بدخل لمدونتك بستمتع بكل ما فيها .. القصه اللى انت نشرتها فعلا ممتعه وجديدة..الى الامام دائما
لك كل احترامي

رجل من غمار الموالى يقول...

دائماً ..تأتى بالمتميز يا أخى شكيب
.........
ليأخذ كل منكم مكانه فى القارب
..........
والله يا أخى شكيب
الحزن يكاد يقتلنى على هذه الأوضاع التى تُعاش فى مصر والعالم العربى كله
وما يحدث فى غزة ..
...........
لا أمل فى التغيير الداخلى
الأجهزة الأمنبة تضغط على الشعوب
الدولة تسخر كل إمكانياتها للقهر
...........
.........
الموروث الدينى هو ما يخفف بعض هذا الإحساس
.........
ولقد خلقنا الإنسان فى كبد
....
أى تعب وعناء ومشقة
..
لكن الكبد بتاعنا زايد شوية
..............
تحياتى أن سمحت لى بالفضفضة عندك
...........
وليأخذ كل منا مكانه فى القارب
.........
تحياتى

نبراس العتمة يقول...

ست الحسن/أمنا الغولة
أولا أتمنى لك إقامة مشعة مضيئة بين الفوانيس وأنت فانوس آخر يتوهج داخل منارتي
عن القصة أعتقد أن الشكر كله للصديق الحسين بودرقة الذي مدني بالقصة التي تنشر لأول مرة على النت.
وأنا نفسي لم أعلق عليها بعد. لكن لا بد أن أخصص لها تعليقا مستقلا
دامت لك متعة القراءة وحب الاطلاع
مودتي الموصولة

نبراس العتمة يقول...

الرائع MEDUS
عن أحوال فهي بخير..لو تعرف كم انتظرت طلتك الجميلة هذه..الأصدقاء كلما تقادم عهد الود بينهم تعمقت صداقتهم مثل الخمر كلما ازداد قدما وازدادت عتاقته كلما كان رفيع الجودة وغالي الثمن
القصة التي عرفت بها من خلال مدونتي هي لصديق عزيز علي أجاد وصف قوارب الموت فيها.

ليأخذ كل منكم مكانه فى القارب
هل هي العبارة الصحيحة في مكانها المناسب يا ترى؟
مودتي المعتقة

نبراس العتمة يقول...

رجل من غمار الموالي

ليأخذ كل منكم مكانه فى القارب

جميل ان تتفاعل عزيزي مع هذه القصة والأكثر هو ضميرك الحي الذي لا أدري كيف أواسيه وكيف يواسيني على مصابنا في غزة

قلت أن الموروث الديني يخفف .. ولم أفهم لأن ما يجري هو بسبب الموروث الديني اليهودي المتعفن وبسبب الموروث الديني الاسلامي المتطرف..

ليس هذا حين هذا النقاش.. ففي حضرة الدم لا أعرف أن أفكر..

بالطبع مسموح بالفضفضة يال عزيزي فأنا أحسك..وأعرف أن مأساة قوارب الموت هي جزء من جرح آخر يسمى غزة

مودتي الدامعة