الجمعة، 18 يوليوز 2008

السلفية الماركسية:ما بين التحريف والتكفير


السلفية الماركسية:ما بين التحريف والتكفير


قراءة في كتاب الأستاذ امال الحسين[1]

يقول الأستاذ امال الحسين في كتاب "الحركة الاجتماعية والمعرفية بين النظرية والممارسة"، وفي معرض نقده للمنظور الاديولوجي لحزب النهج الديمقراطي: "التقسيم الذي أعطته الماركسية للطبقات في المجتمع البورجوازي واضح وضوح النهار و لا يمكن تغييرها لأنه منبثق من قوانين التطور الاجتماعي العامة التي تصلح في كل زمان و مكان.." (ص39)
هذا القول أصنفه ضمن السلفية الماركسية التي تقابلها سلفية اسلامية تقول أن هذا الرأي أو الحديث أو الآية صالحة لكل زمان ومكان.. ضاربة عرض الحائط امكانية الفهم والتأويل والتفسير الملازمة لكل تفكير.
وحتى عندما تبرز اشكاليات جديدة ويتغير الإنسان والزمان والمكان فإن النظرية السلفية تحاول أن تجد مبررات هي في جوهرها متعنتة وعنيدة وكذلك كتب امال الحسين:
"إذا كان لا بد من إحداث نطور في الماركسية إذا افترضنا أن هناك ما يستوجب ذلك فلا بد من أن تكون منطلقاتنا هي جوهر الدياليكتيك الماركسي الذي ما هو إلا الماركسية اللينينية ، أما ما دون ذلك فلا يمكن إلا أن يسقطنا في منطقات لا عرفانية"(ص42-43)



هذا التجدر هو ما يفسر إلى حد كبير ممانعة الكاتب لأي استفادة من الفكر التقدمي الانساني معتبرا أن أي تعاطي للفكر التقدمي الانساني هو جهل بالماركسية اللينينية " حيث لا يمكن تصور فكر إنساني تقدمي أكثر من اللينينية" (ص44)
إن الذي يجعل التفكير ينغلق ويستريح إلى ذاته هو وهم "الكمال" فالفكر الاسلامي في أبشع صور سلفيته يتخيل أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه، وكذلك القول بالنظرية الماركسية الكاملة (ص45) فإن كانت هناك نظرية ماركسية كاملة فما الداعي لاجتهادات لينين وستالين من بعده.
فراس السواح في مؤلفه القيم (دين الانسان)
[1] بحث في الدافع وراء منشأ الدين وكانت إحدى الاجابات التي أوردها في كتابه القيم هي تقديس الأسلاف وتمجيدهم
وإذا أردت أن تميز بين الفكر والمعتقد فإنك ستجد أنه من السهولة بمكان استفزاز عباد الأسلاف، لأدنى نقد توجهه إلى شخصية إنسانية تمشي ، تأكل وتتغوط، لها أذرع وأرجل وجمجمة ومخيال وعقل، وهو في اعتقادي ما يؤجج النعرات السلفية الرافعة لشعار "إلا رسول الله" ولن نستغرب في الغد القريب أن نسمع شعارات موغلة في سلفيتها "إلا لينين"
ذلك أن الحساسية المفرطة تبلغ إلى درجة نفي أي نقص أو ضعف أو حتى انبهار عن الشخصية المقدسة فنجد الكاتب امال الحسين يرد على الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي "عبد الله الحريف" هذا الأخير الذي نزع رداء القداسة في الكثير من نقاشاته عن شخصية لينين فأشار عبد الله الحريف إلى أن " في بعض كتابات لينين هناك نوع من الانبهار بالتايلورية "وانتقد لينين في كونه لم يعمل على تثوير علاقات الانتاج وأن كل ما قام به هو التأميم.
مناقشة الحريف لفكر لينين أثارت حفيظة امل الحسين الى الحد الذي قد يعتبرها تدنيسا للمقدس، وقد تصل به المواجهة إلى حد الاتهام بالردة على حد تعبير السلفية الاسلاموية وتصل به إلى حد " التحريف" على حد تعبير السلفية الماركسية اللينينية "فلا بد من الحزم ضد كل تأويل غير صحيح لأقوال لينين.." (ص74) " ولا بد من قراءة التجربة اللينينية قراءة موضوعية انطلاقا من الدياليكتيك الماركسي" (ص74) واضح أن صيغة (لا بد) فيها الكثير من عادة الاجبار والارغام الموسوم بها هذا التفكير الذي لا يترك حيزا للآخر. ربما لأنها سلفية تسبغ القداسة على الشخصية الانسانية وما يحيط بها،فالصحابة، حتى الذين لم يرافقوا أو يروا الرسول ، لا يجب استحضار أسمائهم إلا بنوع من الخشوع والاجلال، فلا نقول صحابي فاسق بل صحابي جليل، وأي مساس بصحابي هو مساس بالرسول.
كذلك يشدد امال الحسين على "أن الهجوم على ستالين ما هو إلا بداية للهجوم على اللينينية وبالتالي شرعية الهجومخ على لينين من طرف الانتهازيين التحريفيين" (ص74)
للسلفية الاسلامية سلاح التكفير وللسلفية الماركسية سلاح التحريف.
إن من أخطر عيوب السلفية في الفكر هو الانسداد نحو الوراء في الجزئيات كما في الكليات، ولأن صرخة ماركس كانت هي " يا عمال العالم اتحدوا" فإن أي شعار عداه هو في نظر امال الحسين شعار مزور حتى لو كان " يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا"
[2] أو " يا عمال العالم وشعوب المستعمرات اتحدوا"- " يا عمال العالم ومناهضي العولمة والرأسمالية اتحدوا"[3]
وبعد هذا كله لا تفاجأ إذ يصحح الأستاذ أمل الحسين لجل الماركسيين والمتمركسين نظرتهم إلى المناضل الثوري لينين، إذ "هو ليس قائدا للثورة الاشتراكية كباقي القادة الذين عرفهم التاريخ"(ص76) فإذا كانت السلفية الاسلاموية لا تحبذ أن ينظر لمحمد على أساس أنه كباقي القادة الذين عرفهم التاريخ، فما بقي إلا أن نسجد لكل صنم على حدة.
الوثوقية هي واحدة من أبرز سمات الفكر الأحادي الذي يعتبر التعددية مفهوما بورجوازيا رأسماليا (ص59) ليسوغ بذلك مقولة الفكر الوحيد والوعي الصحيح الواحد، بصدد ذلك يقول المؤلف: " إن الحديث عن الوعي خارج التحديد الماركسي اللينيني لمفهوم الوعي لا يمكن إلا أن يكون ضربا من الكلام" (ص90)
بهذا يكاد المؤلف يلغي كل وعي، لذا ليس من حقك حتى التحفظ كما أراد نائب الكاتب العام لحزب النهج الديمقراطي " مصطفى براهما" حين تحفظ على مصطلح الماركسية العلمية قائلا: " لدي تحفظ بالنسبة للماركسية كنظرية علمية، علينا أن نقول الماركسية تستند إلى المعرفة العلمية" (ص70)
وبالطبع فأي تحفظ أو إبداء رأي هو تحريف أو جهل حقيقي بالماركسية حسب الأستاذ امال الحسين (ص70)
فماذا عن انفتاح الماركسية على تجارب واجتهادات الآخرين أو كما يقول مصطفى براهما:" .. ربما انفتحنا على قضايا لم ترد بشكل دقيق وواضح في النظرية الماركسية" هذا هو الكفر بعينه حسب السلفية الاسلاموية والتحريف الأكيد أو" الحساء الاختياري الهزيل" على حد تعبير السلفية الماركسية.
في الأخير أتساءل عن ذلك الجمود العقائدي كما أشارت إليه السيدة سعاد خيري (ص75) وعن دفاع امال الحسين " قد يكون ذلك صحيحا إذا ما اعتبرنا أحكامنا جاهزة ومطلقة مما يجعل معرفتنا وفكرنا جامدين بالضرورة- وهي عبارة لا أساس لغوي أو فكري لها، إذ هي مجرد فدلكة لغوية – لكن أرقى ما توصل إليه الفكر البشري من معرفة وهو الماركسية اللينينية فجمود الفكر مرفوض في هذا الباب" ويزداد تأكدي أني أمام سلفية ماركسية أو جمود عقائدي كما وصفته السيدة سعاد خيري.

[1]"الحركة الاجتماعية والمعرفية بين النظرية والممارسة" امال الحسين- الطبعة الأولى- 2008 مطبعة وراقة تارودانت
2" دين الانسان" فراس السواح –ص225منشورات دار علاء الدين- الطبعة الرابعة200౨-
3قول عبد الله الحريف المقتبس من قولة ماركس الشهيرة " يا عمال العالم اتحدوا"
4قول السيدة سعاد خيري المقتبس من قولة ماركس السالفة الذكر.

هناك تعليقان (2):

DantY ElMasrY يقول...

هناك تشابه كبير فى مواقف الناس من العقائد حتى مع اختلاف هاتيك العقائد
فالمقارنة الموفقة التى اظهرتها بين السلفية الإسلامية والسلفية الماركسية يمكننا تطويرها وتعميمها على نطاق اوسع .
لأن الإنسان يميل دائما لإسباغ التقديس والأصالة على ما يهمه
ولعل هذا أوضح ما يكون فى الحالة الدينية اسلامية كانت ام غير ذلك
رغم ان الدين فى جوهره -ثورة على المقدسات الزائفة
لكن الغريب هو استبدال الماركسيين للكتب السماوية بالإنجيل الماركسى
ولا نستغرب عندما نجدهم يجادلون دفاعا عن انجيلهم بنفس الطريقة التى يدافع بها الإسلاميون عن مقدساتهم

نبراس العتمة يقول...

دانتي المصري..
سعدت أولا بتواصلك وتفعيلك للتقاش هنا..حتى لو-فرضت- أن رأيك كان مخالفا..ليس بالضرورة هو ما يناقش إذ أن طريقة الدفاع عن وجهة النظر أو ما يسمى بالخطاب خو الدي يحتاج الى دراية وتدريس وعلم..ولا أدري لم يسيء الكثيرون الظن لأن أقصى ما أطمح اليه هو ترسيخ ثقافة الاختلاف..لدلك فلا عجب أن تكون الاتجاهات المتطرفة في أي مكان هي ما أتصدى له سواء كانت تحت راية القديس يوحنا أو تحت راية علي..
أجدد سعدت بحضورك وتواصلك
لك محبة لا تشيخ